الإذلال عن طريق الإقصاء والوصم
الإذلال عن طريق الإقصاء والوصم
إن إنكار المساواة وعدم الاعتراف بنفس الحقوق في العلاقات الدولية، يفتح الباب أمام الجمود والتصلُّب، ومن ثم إلى “الإقصاء” كنموذج ثالث من نماذج الإذلال، فينظر الطرف الذي تم إقصاؤه إلى التفاوت في مستوى التنمية على أنه إذلال واقع عليه، والإقصاء هنا ليس مجرد حالة فقط، بل يعد فعلًا أيضًا؛ فعلًا يدفع بالآخر إلى مرتبة أدنى من التي كان يتوقَّعها ويطمح إليها، وهذا ما نراه في تعامل الغرب مع الإمبراطورية العثمانية، عندما تم إقصاؤها من الكونسرت الأوروبي، ولم يتم دعوتها إلا بشكل متقطع في الأمور المتعلقة بها مباشرةً، كالأمور المتعلقة بدول البلقان، وفي العصر الحاضر تعيش الدول النامية والناهضة ذات الأمر من الإقصاء، كحرمانها من دخول قدس الأقداس -الذي يضم الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن- أو حرمانها من المشاركة في هيئات صنع القرار، كمنع تركيا والبرازيل من التدخل في حل المسألة الإيرانية، وكأن لسان حالهما يقول: من أنتم حتى تتدخلوا في حل مثل تلك المسائل والقضايا، وهذا التصنيف والإقصاء هو نوع آخر من الإذلال الذي طبع النظام الدولي.
ولا يتوقف الأمر عند الإذلال بالإقصاء، بل يتطرَّق إلى نموذج آخر وهو “الإذلال عن طريق وصم الآخر”، إذ يتم التنديد بما يميز هذا الآخر من سمات سياسية وثقافية وأيديولوجية ووصمه بها لأنها تتعارض مع مقاييس الحضارة، كوصف الاتحاد السوفييتي بأنه “إمبراطورية الشر”، هذا الوصف الذي ينطلق من عملية تنافسية، وتوازن القوى، ثم بعد ذلك تم وصم “الإسلام” به، الإسلام الذي كان في زمن الثنائية القطبية -أي قبل عام 1989- لم يكن يتعرَّض لأي نوع من أنواع الوصم، فتم وصم الإسلام بعد ذلك بعبارات كثيرة مثل: “الإرهاب الإسلامي”، و”الإجرام السلفي”، و”الفاشية الإسلامية”، وغيرها من العبارات بهدف تحقيره وربطه بفئات منتقصة، ليتم تصنيف الإسلام بأنه معادٍ للحرية والحق والديمقراطية، وبالتالي يكون أي تفاوض مع هذا العدو -أي الإسلام- هو تفاوض غير مشروع، بل تفاوض مجرَّم!
الفكرة من كتاب زمن المذلولين.. باثولوجيا العلاقات الدولية
يتكلم الكاتب عن باثولوجيا (أمراض) العلاقات الدولية التي تدفع نحو الإذلال؛ هذا الإذلال الذي يعرض المجتمعات إلى اضطرابات تؤدي إلى نزاعات اجتماعية شديدة في الحياة الدولية المعاصرة، فقد كان لتعدد الثقافات واختلافها ردة فعل طبيعية من جانب العولمة، فتم إقصاء ووصم جميع الثقافات المخالفة لها، ما خلق نوعًا من الإذلال الذي ضيَّق من إمكانية أن يحظى الآخر بموضع قدم في النظام العالمي، وظهرت مجموعة من النماذج في العلاقات الدولية هدفها الحط من مكانة الغير، وعدم الاعتراف بحقوقه، والتنكُّر لمبدأ المساواة، ما أدَّى إلى التنكُّر لاختلافه وتميزه، فباسم نظرية عالمية أصبحت الغيرية مرفوضة، ولا بد أن تخضع لمقاييس الأقوياء، ومن هنا يعد الإذلال عنصرًا أساسيًّا في بنية العلاقات الدولية، ما يعني أننا نعيش في زمن المذلولين.
مؤلف كتاب زمن المذلولين.. باثولوجيا العلاقات الدولية \
برتران بديع : هو أستاذ العلاقات الدولية في “معهد العلوم السياسية” في باريس، شغل منصب رئيس المجلس العلمي للمعهد الفرنسي للشرق الأدنى بين عامي (2004 – 2012)، له العديد من المؤلفات، تم ترجمة معظمها، منها:
سوسيولوجيا الدولة.
الدولتان: السلطة والمجتمع في الغرب وبلاد الإسلام.
دبلوماسية التواطؤ.
الدبلوماسي والدخيل.
عجز القوة.
معلومات عن المترجم:
جان ماجد جبور: هو باحث ومترجم، يشغل منصب أستاذ في الجامعة اللبنانية، وله كتب من تأليفه، ومن بينها:
المنجد الفرنسي – العربي الكبير.
كما أن له عددًا من الكتب المترجمة، من بينها:
القيم إلى أين؟
الخوف من البرابرة.
اللقاء المعقد بين الغرب المتعدد والإسلام المتنوع.
الإسلام ولقاء الحضارات في القرون الوسطى.