الإدارة في عهد العباسيين
الإدارة في عهد العباسيين
اختار محمد بن العباس خراسان ميدانًا لإظهار دعوته وإزاحة بني أمية، لأن أهلها عددهم كبير وصدورهم سليمة وما عداها من البلاد متشبع بالروح الأموية، ولما أزاح الأمويين لم يتفرَّغ لوضع أساسٍ ثابت للإدارة لانصرافه لتوطيد دعائم الفتح وقتال الخارجين عليه، وسار في الجملة على نظام الأمويين، وخطب قائمًا بعد أن كان الأمويون يخطبون جلوسًا، فأحيا بهذا السنة، وذهبت الخلافة إلى أخيه المنصور من بعده وكان أسن من أخيه.
فكان كمعاوية متمرنًا على الإدارة والحكم قبل الوصول إلى الخلافة، وكانت طريقته في الحكم اللامركزية، فلا يستقل الوزير برأيه، وهو أول من رتب المراتب من الخلفاء، واتخذ في قصره بيوتًا للإذن، وكانت سياسته المالية الادخار، وينفق إن رأى في الإنفاق مصلحة، وعُنِي بالعمارة فشاع العمران، على أنه قدم الموالي والغلمان على العرب فامتثل لذلك الخلفاء من بعده لولده فسقطت قيادات العرب.
أما المهدي فكان وزيره كفؤًا؛ جمع له حاصل المملكة ورتب له الديوان وقرَّر القواعد، وهو أول من جلس لينظر في مظالم الناس من بني العباس، ومشى على أثره الهادي والرشيد والمأمون، وكان شديدًا على الزنادقة، وأتى الهادي من بعده فمنع أمه الخيزران من التدخُّل في أمور السلطان لقضاء حوائج الناس، أما الرشيد فكانت أيامه نضرة وكثر خيرها، فقسم أعمال الدولة بين عماله فكان له وقت للحج ووقت للجهاد ووقت للاصطياف، وكان شديد الانتباه إلى كل ما يجري في مملكته.
غير أن هذا لم يستمر طويلًا، فسرعان ما انقلبت أحوال الخلفاء من بعده، فكانت معظم أيام الأمين مشغولة بالفتن وكان عابثًا، ولو نظرنا في أول عهد بني العباس لوجدنا قيادة الجيوش وإدارة الولايات كانت توسد لأبناء الخلفاء ويشتركون في السلطان إلى حدٍّ معين، وتؤخذ آراؤهم في النوازل، ويدخلون مجالس المشورة فينتفعون بهذا إذا أسند الأمر إليهم، ويعرفون أنهم شركاء في الملك ولهم رأي يعتد به، أما في عصر الانحطاط فقد أصبح أكثرهم إلى الجهل والبلاهة يدرسون إدارة الملك في الكتب ويسمعون ما يرغبون في سماعه ولا يعملون شيئًا ينفعهم إذا أسند الأمر إليهم، حتى ذهبت دولتهم!
الفكرة من كتاب الإدارة الإسلامية في عز العرب
يذهب بعض الناس إلى أن معارف الحضارة الإسلامية مقلدة عن فارس والروم، ولو صح ما قالوا لكانت قوانين فارس والروم باقية ولما استطاع العرب نزع سلطانهم وتثبيت حكمهم مكانهما، ويثبت الكاتب في هذا الكتاب أن الإسلام ابتكر وأبدع في الحرب والإدارة السياسية، كما اخترع وأبدع في العلم والتشريع وأسباب المدنية بالتعرض لأحوال ثلاثة أزمنة وأحوال خلفائها فيها وكيف كانوا يديرون البلاد.
مؤلف كتاب الإدارة الإسلامية في عز العرب
محمد كرد علي: مفكر وأديب سوريٌ وُلِد بدمشق عامَ ١٨٧٦م لأبٍ كردي وأمٍّ شركسية، كان شديدَ الشغف بالقراءة والاطِّلاع؛ فكان والِدُه يمدُّه بكثير من الكتبِ المختلِفةِ الموضوعات، وقد دافَعَ طوالَ عمره عن اللغة العربية، وشدَّد على ضرورة الاعتناء بها في مراحل التعليم، وكان وزيرًا للمعارف والتربية في سوريا، وأيضًا تولَّى رئاسةَ مَجْمَع اللغة العربية بدمشق.
من مؤلفاته: “أقوالنا وأفعالنا”، و”الإسلام والحضارة العربية” و”غابر الأندلس وحاضرها”، وتُوفِّي عامَ ١٩٥٣م ودُفِن بدمشق بجوار قبر معاوية بن أبي سفيان.