الإتقان والحكمة والله
الإتقان والحكمة والله
من الدلائل المهمة العقلية أيضًا على وجود الله سبحانه دليل النظم والإحكام، فمن يحكم النظر ويعمل العقل يرى أننا نعيش في كون شديد الضبط والإتقان بشكل يصلح لقيامه هو ويحفظ استقراره وعدم انهياره وبشكل يحفظ للكائنات الحية وجودها ويضمن أسباب معيشتها، وبهذه المقدمة البسيطة والنظر الأوَّلي فإن ذلك يقتضي من العاقل المتدبِّر أن يسلم بوجود صانع عليم حكيم وضع كل شيء في موضعه الملائم وأعطاه صفة مناسبة.
يقوم هذا الدليل على برهانين، فالأول هو أن الكون متقن محكم، والدلائل على هذا البرهان متفاوتة ومتنوعة وكثيرة جدًّا في فضاء الوحي والعلم وبخاصةٍ في عصرنا هذا الذي ما تلبث العلوم والأبحاث والمكتشفات فيه أن تزيد هذا الدليل قوة إلى قوته ووضوحًا وبيانًا، وقوانين كقوانين قوة الجاذبية والقوة النووية وثوابت كثابت بلانك وغيره فيه من الدقة والثبات ما لو ضُبِط بغير الطريقة التي ضُبِط عليها لاختلَّ نظام هذا الكون ولاستحالت المعيشة فوق هذا الكوكب، وهذا كله بالملاحظة والبرهان والدليل العلمي.
أما دليل البرهان الثاني، فهو أن هذا الإتقان والإحكام في هذا الكون الكبير يستدعي وجود فاعل عليم حكيم فدليله مبدأ السببية الفطري، واحتمالات وجود مظاهر الإتقان لا تخرج عن احتمالات ثلاثة كما ذكر الكاتب؛ فإما الحتمية أو الصدفة أو إرادة فاعل عليم وباستحالة أول احتمالين فإن الثالث هو الأكثر توافقًا مع الفطرة والحس.
وبالطبع فقد وردت اعتراضات كثيرة على كل مقدمة من مقدمات دليل الإتقان والإحكام، ونذكر منها مثلًا الاعتراض القائل إن الإتقان مجرد إسقاط نفسي، والواقعون في هذا الأمر أو هذه الحيلة واقعون في لون من ألوان السفسطة، وهناك اعتراض آخر بأن الضبط في هذا الكون الفسيح ضئيل جدًّا، وآخر يقول إنه ليس لنا علم إلا بهذا الكون فلا يحق لنا الحكم على غيره، وقد أورد الكاتب أبرز ما قيل حول هذه الاعتراضات وكيف يُرد عليها.
أما الاعتراضات التي سيقت حول دليل أن هذا الإتقان والإحكام يستدعي وجود فاعل له فمنها مثلًا القول بنظرية التطور التي لا يستلزم القول بها إلغاء الإيمان بوجود الله سبحانه، وهي من الاعتراضات المنتشرة اليوم كثيرًا في مختلف الأوساط عن غيرها من الاعتراضات الأخرى كفكرة الأكوان المتعددة وغيرها.
الفكرة من كتاب شموع النهار
وليس يصحُّ في الأذهان شيءٌ إذا احتاج النهار إلى دليل
وهل يحتاج النهار إلى دليل! وأي دليل هو أوضح من ضوء النهار المضيء لكل شيء آخر من حوله!
ولله المثل الأعلى، فإن محاولة إثبات وجود الله (سبحانه وتعالى)، وتطلُّب الدليل على ذلك بمثابة محاولة إيقاد شمعة في النهار كما يقول الكاتب، ومع ذلك فإنه يأخذنا في رحلة ماتعة في هذا الكتاب تزيد المؤمن يقينًا وتردُّ المرتاب إلى جادة الصواب، بتذكيره بمقتضيات الفطرة والعقل واستعراض أقوال المنحرفين في محاولة للتبصير ولإزالة الغشاوة.
مؤلف كتاب شموع النهار
عبد الله بن صالح العجيري: باحثٌ ومُفكِّر ومهندس سعودي، ويشغل منصب مدير مركز تكوين للدراسات والأبحاث، مهتمٌ بمنهج الفقه الإسلامي وبالمذاهب العقدية والفكرية، بدأ حبه للقراءة في سن مبكرة مع كتاب “صور من حياة الصحابة”.
حصل على بكالوريوس أصول الدين من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وقبلها بكالوريوس هندسة حاسب آلي من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن.
ومن أبرز مؤلفاته:
ينبوع الغواية الفكرية.
ميليشيا الإلحاد.
زخرف القول.
المنشقُّون.