الإبادة الجماعية
الإبادة الجماعية
ظهر مفهوم الإبادة الجماعية أول ما ظهر أثناء الحرب العالمية الثانية، وأول من أشاع هذا المصطلح هو الباحث القانوني البولندي “رافائيل لمكين”، وقد أوضح لمكين أن الإبادة الجماعية لا تعني بالضرورة التدمير الكامل لأمة معينة من الأمم، بل تدل على التدبير والتخطيط بشكل منسق على هيئة أفعال مختلفة تستهدف تدمير قواعد الحياة الأساسية، لمجموعة قومية معينة من أجل محقها؛ ويهدف مخطط الإبادة الجماعية إلى تفسيخ وتفكيك جميع المؤسسات التي تنتمي إلى تلك الأمة أو تلك المجموعة العرقية مثل المؤسسات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، كما تسعى إلى تدمير الثقافة واللغة بإحلال ثقافة ولغة أخرى محلها، إلى جانب القضاء على المشاعر القومية والدينية.
وليس هذا فحسب، بل يذهب مخطط الإبادة الجماعية كذلك إلى تدمير كل ما يتعلق بأفراد تلك الجماعة من خلال سلب حريتهم وإضعاف حالتهم الصحية، وإهانة كرامتهم والقضاء على حياتهم، فالإبادة الجماعية تستهدف المجموعة بصفتها كيانًا، وتستهدف الأفراد بصفتهم أعضاء في تلك المجموعة، وقد تعامل الباحثون مع مصطلح الإبادة الجماعية وأضافوا تحته عدة مصطلحات أخرى تشير إلى نفس الفعل، ومن تلك المصطلحات: “التطهير العرقي”، و”إبادة الذاكرة”.
فقد ظهر مصطلح “التطهير العرقي” أول ما ظهر خلال حرب “البوسنة” عام 1992 حيث قام الجيش الصِّربي بهجمات واعتداءات وحشية على مُسلمي البوسنة بهدف طردهم منها والسيطرة عليها، وصار هذا المصطلح منذ ذلك الوقت يطلق على أي فعل يكون هدفه طرد جماعة ذات عرقية معينة واقتلاعهم من أماكنهم وجذورهم بالقوة والعنف، وقد وصف الباحث القانوني البوسني “درازن بترفيش” التطهير العرقي: بأنه فعل ينشأ عن طريق قيام مجموعة ما وبشكل منهجي مستخدمة العنف والقوة العسكرية وجميع أنواع الانتهاكات المتعلقة بحقوق الإنسان كالتعذيب والاغتصاب والقتل وتدمير البنايات العامة والممتلكات الخاصة بهدف اجتثاث واستئصال مجموعة أخرى تقطن وتسكن مكانًا معينًا، بسبب انتماء تلك المجموعة الأخيرة إلى عِرق أو دين أو قومية معينة بهدف أن تحل محلها وتستقر مكانها، وقد أشارت الأمم المتحدة إلى أن الأساليب المستخدمة في التطهير العرقي تدخل ضمن الإبادة الجماعية.
الفكرة من كتاب الجريمة المقدسة.. الإبادة الجماعية من أيديولوجيا الكتاب العبري إلى المشروع الصهيوني
إن ما يعانيه الشعب الفلسطيني على يد الكيان الصهيوني ليس مجرد قتل عادي أو عشوائي، بل هو بمثابة قتل ممنهج مخطط له، والهدف من ورائه إلى تحقيق إبادة جماعية للشعب الفلسطيني من أجل تثبيت أركان المشروع الصهيوني في الأراضي الفلسطينية، ويعتمد المحتل الصهيوني في تطبيقه العلمي للإبادة الجماعية والتطهير العرقي على الكولونيالية الاستيطانية إلى جانب القصص والنصوص الواردة في الكتاب العبري “التوراة”.
مؤلف كتاب الجريمة المقدسة.. الإبادة الجماعية من أيديولوجيا الكتاب العبري إلى المشروع الصهيوني
عصام سخنيني، هو أستاذ التاريخ في جامعة البترا الأردنية ونائب المدير العام لمركز الأبحاث الفلسطينية في بيروت بين عامي 1971 و1978، وله العديد من المؤلفات التاريخية، منها: “فلسطين والفلسطينيون”، و”تهافت التاريخ التوراتي”، و”القدس.. تاريخ مختطف وآثار مزورة”، و”عهد إلياء والشروط العُمرية”، و”الإسرائيليات”.