الأيديولوجيا العبرية
الأيديولوجيا العبرية
لا يقوم المشروع الصهيوني على نمط الاستعمار الكولونيالي الاستيطاني وحسب، بل يقوم أيضًا على أيديولوجيا “الكتاب العبري” أي التوراة، وهذا لا يعني التطابق بين كلٍّ من المشروع الصهيوني واليهودية، فالصهيونية أصلها مشروع سياسي نشأ أواخر القرن التاسع عشر، وقد وجدت معارضة من اليهود الأرثوذكس المتدينين كونه مشروعًا دنيويًّا يتدخَّل في مشيئة الله، وعلى الرغم من عدم التطابق بين الصهيونية واليهودية، فإن المشروع الصهيوني حشد كل مفردات التوراة وجعلها مرجعيته التي يستند عليها في نظرياته وتجلياته العملية، والباعث الذي يدفعه لتحقيق أهدافه.
وبالتالي فإن مفهوم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي الذي تقوم به الصهيونية في الأراضي الفلسطينية إلى جانب كونه كولونياليًّا فهو أيضًا يجد مبرراته العقائدية في قصص التوراة والحكايات التي تذكرها عن أفعال الأسلاف من اليهود التي تصنف ضمن مفهوم الإبادة الجماعية، وبناءً على ذلك تنقسم الصهيونية إلى نوعين؛ النوع الأول: “الصهيونية المتدينة” ترى في التوراة كتاب موحى به من يهوه -اسم الإله عند اليهود- ما يضفي على تلك القصص والنصوص القدسية الدينية، والنوع الثاني: “الصهيونية العلمانية”، وهؤلاء يرون أن التوراة هي سجل تاريخي يحوي أخبار الأسلاف وأفعالهم وليس له علاقة بالسماء، ومع ذلك يصبغون على التوراة القدسية الدنيوية كونها تحمل الهوية التاريخية والثقافية لليهود.
وبالتالي تعد تلك القصص والنصوص التوراتية مرجعية أساسية في طريقة تعامل اليهود مع الأغيار (غير اليهود)، وبالتالي ينظر الصهاينة العلمانيون إلى تلك القصص التوراتية ويتقبَّلونها على أنها نجحت في الماضي في استئصال الأغيار ويمكن أن تطبَّق في الحاضر من أجل استئصال الفلسطينيين، فالحركة الصهيونية لبست منذ البداية لباس العلمانية وانطلقت من مبدأ القومية اليهودية على غرار الدول القومية التي نشأت في أوروبا، واعتبرت أن التوراة هي الكتاب القومي لليهود ووثيقة تاريخية تحمل في طياتها الذاكرة الجمعية اليهودية، وبغض النظر عن كون المشروع الصهيوني متدينًا أو علمانيًّا فهدفه هو إبادة الفلسطينيين من أجل إفساح المجال للمهاجرين اليهود، فكما قال هرتزل: “عندما أريد استبدال بناية جديدة ببناية قديمة فعليَّ أن أهدم قبل أن أبني”!
الفكرة من كتاب الجريمة المقدسة.. الإبادة الجماعية من أيديولوجيا الكتاب العبري إلى المشروع الصهيوني
إن ما يعانيه الشعب الفلسطيني على يد الكيان الصهيوني ليس مجرد قتل عادي أو عشوائي، بل هو بمثابة قتل ممنهج مخطط له، والهدف من ورائه إلى تحقيق إبادة جماعية للشعب الفلسطيني من أجل تثبيت أركان المشروع الصهيوني في الأراضي الفلسطينية، ويعتمد المحتل الصهيوني في تطبيقه العلمي للإبادة الجماعية والتطهير العرقي على الكولونيالية الاستيطانية إلى جانب القصص والنصوص الواردة في الكتاب العبري “التوراة”.
مؤلف كتاب الجريمة المقدسة.. الإبادة الجماعية من أيديولوجيا الكتاب العبري إلى المشروع الصهيوني
عصام سخنيني، هو أستاذ التاريخ في جامعة البترا الأردنية ونائب المدير العام لمركز الأبحاث الفلسطينية في بيروت بين عامي 1971 و1978، وله العديد من المؤلفات التاريخية، منها: “فلسطين والفلسطينيون”، و”تهافت التاريخ التوراتي”، و”القدس.. تاريخ مختطف وآثار مزورة”، و”عهد إلياء والشروط العُمرية”، و”الإسرائيليات”.