الأوضاع الاقتصادية بعد الحرب
الأوضاع الاقتصادية بعد الحرب
خرج العالم أكثر عقلانية بعد الحرب العالمية الثانية، فالجميع كان قد تعلم الدرس وأدرك خطورة الانسياق وراء غرائز الانتقام والتشفِّي من المهزومين، ولكن ما فتئت الحرب تضع أوزارها حتى وجد العالم نفسه أمام تحديات صعبة تمثَّل أولها في معالجة هذا الدمار الهائل الذي تسبَّبت فيه لا سيما في دول أوروبا التي كان لها النصيب الأكبر من الدمار، ناهيك عن الصدام الشرس بين الأيديولوجية الاقتصادية للمعسكرين الغربي والشرقي الذي كان أساس ما يُعرف بحقبة الحرب الباردة، وأخيرًا برزت قضايا تنمية العالم الثالث على السطح لردم تلك الفجوة التي تفصله عن دول العالم المتقدم.
فأوروبا خرجت من الحرب شبه مدمَّرة حيث فقدت بنيتها التحتية وهياكلها الإنتاجية، ونظرًا إلى خوف الولايات المتحدة من وقوع اقتصادها في براثن الانكماش من جديد، بالإضافة إلى قلقها من استئثار المد الشيوعي بأوروبا سارعت لقطع الطريق على السوفييت وإنعاش اقتصادها في الوقت نفسه عن طريق تعمير أوروبا عبر إطلاق وزير خارجيتها مبادرة تعاون عُرِفت فيما بعد بمشروع مارشال، لذا يمكن القول إن إعادة إعمار أوروبا كانت إحدى جولات الصراع الأيديولوجي بين أمريكا والسوفييت، أو الرأسمالية والاشتراكية.
فالرأسمالية تبلورت ملامحها على يد آدم سميث وتم تهذيبها تباعًا على يد المفكرين الذين تقادموا عليها ولكن رغم مساوئها ظلت في نظر البعض هي النظام الطبيعي المعتمد، وعلى الجانب الآخر ظهرت الاشتراكية كرد فعل عكسي مناوئ للفكر الرأسمالي وتبلورت مبادئها على يد كارل ماركس وفريدريك إنجلز عقب إصدار البيان الشيوعي، من ناحية أخرى زاد الاستقطاب العالمي وانقسمت دول العالم إلى نادي الأغنياء والدول المتقدمة في مقابل مستنقع الدول الفقيرة المتخلفة التي كانت معظمها مستعمرًا من قِبل الدول العظمى، فما إن استقلَّت تلك المستعمرات حتى أدركت أن الاستقلال السياسي يظل هشًّا ما لم يدعمه استقلال اقتصادي، ففرضت بذلك قضية التنمية نفسها على ساحة العالم، واحتلت الدول النامية أهمية كبيرة في الصراع الأيديولوجي بين نماذج التنمية في المعسكرين الغربي والشرقي.
الفكرة من كتاب النظام الاقتصادي الدولي المعاصر
الاقتصاد مرآة تعكس السياسة، فكل تطور اقتصادي يشهده أي بلد لا بد أن يؤثر في وضعه السياسي، وقد ثار جدل أزلي بين الاقتصاديين والسياسيين فيمَنْ يقود مَنْ أو مَنْ يؤثر أكثر في الآخر، ولكن يتفق الجميع أن فَهم أبجديات الاقتصاد العالمي يعد محددًا مهمًّا للوقوف على فهم السياسة العالمية اليوم.
وفي ظل الأزمة الاقتصادية العالمية التي سبَّبتها جائحة فيروس كوفيد 19 (كورونا)، يقدم هذا الكتاب مراجعة حية للاضطراب التاريخي الحاصل في الاقتصاد العالمي، في سياق رؤية مفصَّلة للاتجاهات الاقتصادية والتجارية والجيوبوليتيكية التي حدَّدت الأطر الحاكمة للنظام الاقتصادي العالمي اليوم بدايةً من نهاية الحرب العالمية الثانية إلى نهاية الحرب الباردة.
مؤلف كتاب النظام الاقتصادي الدولي المعاصر
حازم عبد العزيز الببلاوي: كاتب وعالم اقتصاد، ولد في 17 أكتوبر 1936، تخرج في كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1957، وحصل على دبلوم الدراسات العليا في العلوم الاقتصادية، من جامعة جرينوبل، بفرنسا سنة 1961، ودكتوراه الدولة في العلوم الاقتصادية، جامعة باريس، بفرنسا سنة 1964، كما شغل سابقًا منصب رئيس الوزراء في مصر، ويشغل حاليًّا منصب المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي.
حصل على وسام جوقة الشرف بدرجة فارس من حكومة فرنسا سنة 1992، ووسام ليوبولد الثاني بدرجة كوماندور من حكومة بلجيكا سنة 1992.
له العديد من المؤلفات أبرزها: “الاقتصاد العربي في عصر العولمة”، و”دليل الرجل العادي إلى تاريخ الفكر الاقتصادي”، و”نظرات في الواقع الاقتصادي المعُاصر”، و”نظرية التجارة الدولية”.