الأمومة الظاهرة والأم المخفية
الأمومة الظاهرة والأم المخفية
لم يكن التطور التكنولوجي قديمًا في صالحنا، فعملية التقاط صورة لرضيع مع أمه لم تكن سهلة أبدًا، ورغم ذلك اجتهد المصورون ليتجاوزوا هذه التحديات، مثل وجود الأم في الصورة ولكنها متخفية؛ تحمل الطفل أو تسنده، وأحيانًا لا يمكن إخفاء يد الأم لتبدو كأنها مقطوعة من جثة، والغريب أنه لا عجب اليوم أن تتسوق صورة أم مخيفة!
ووصف الأم بالمخفية إنما هو مرادف للإيثار وإنكار الذات، بتخفِّيها لأجل ظهور طفلها الذي تسليه أمه المخفية، ومع الوقت تطور أسلوب تخفي الأمهات، فإن الأم إن لم تكن وراء ستارة فإنها ستصبح خلف الكاميرا تلاعب طفلها كي يشعر بالأمان، أو ترتدي دمية كبيرة، والنظر إلى هذه الأوضاع في صورة واحدة يثير الضحك… وربما الشفقة على أمهات كقطع الأثاث تبدو كالموت.
وإذا فقد الطفل أمه، فإنه يتمنى لو يراها حقيقية في الصورة، لا محض شبح أو كرسي يجلس عليه، وإن كان الطفل هو الميت؛ فإن العائلات البريطانية كانت تحتفظ بصور الأطفال الموتى كجزء من الحداد، وظاهرة الأم المخفية تستمر في هذا المشهد أيضًا.
إنها كالكرسي؛ تحمل رضيعها ليس لأنه سيبكي، بل ليظل فقط في المركز، وتشير الكاتبة إلى تساؤل ملح، ألا وهو: هل تنوي الأم أن تحتفظ بالصورة كلحظة كان طفلها فيها على قيد الحياة؟ الحقيقة أن الهدف من الصورة تذكُّر ما غاب عن الأم ليس إلا، وفي المقابل فإن الأمهات في الصور يُثرن الكثير من المشاعر لدى أبنائهن.
الفكرة من كتاب كيف تلتئم! (عن الأمومة وأشباحها)
تتناول المؤلفة في هذا الكتاب طبيعة حياة الأم ونفسيتها، وتسلِّط الضوء على مشاعر الأمهات خلال فترات الحياة المختلفة، وتؤكد أن حياة الأم مع طفلها إنما هي صراع مستمر، منذ لحظات الحمل الأولى وطيلة حياتهما معًا، كما تتحدث عن أثر التكنولوجيا التي تحرمنا من حالة انتظار نوع الطفل، وكذلك توضح أن مشاعر الأمومة تنطوي على مشاعر عميقة وغير مفهومة أحيانًا مثل الشعور بالذنب والتهديد المستمر، ولا يمكن حصر الأمومة في مشهد واحد.
لأنك تراها في أم من غرب أفريقيا حاملة طفلها على ظهرها، أو من الهند تحمله على صدرها، أو في حفلة تخرج أبنائها، وكذلك تطرح الكاتبة سؤالًا كبيرًا حول تخيل الولادة الأولى على الأرض؟ وكيف تعاملت حواء مع مولودها البكر؟ كيف تفهمت غثيان الشهور الأولى؟ وما حقيقة مشاعرها عند رؤية صغيرها؟ ومن الذي قطع الحبل السري بينها وبين صغيرها؟ وما أهمية دور الفطرة في هذه العملية؟ ففي هذا الكتاب تسجل الكاتبة يومياتها مع مشاعرها، كأنها سيرة ذاتية لكل الأمهات.
مؤلف كتاب كيف تلتئم! (عن الأمومة وأشباحها)
إيمان مرسال: شاعرة مصرية ومحررة أدبية، من مواليد مدينة المنصورة بالدقهلية، حصلت على الماجستير في الأدب العربي تحت عنوان “التناص الصوفي في شعر أدونيس”، ثم عملت أستاذة مساعدة للأدب العربي ودراسات الشرق الأوسط بجامعة ألبرتا بكندا، ثم عملت أستاذة متفرغة لإنهاء أحد مؤلفاتها.
لها العديد من الأعمال الأدبية والشعرية على وجه التحديد، كما تُرجمت بعض أعمالها إلى أكثر من 22 لغة مختلفة حول العالم، وللكاتبة عدة مؤلفات، منها: “جغرافيا بديلة”، و”حتى أتخلى عن فكرة البيوت”، و”ذبابة في الحساء”، وغيرها.