الأمراض وعلاجاتها
الأمراض وعلاجاتها
عرَّف الأطباء المسلمون المرض بأنه الحالة التي يعجز العضو فيها عن أداء وظيفته جزئيًّا أو كليًّا، وصنفوا في أسباب الأمراض وعلاجها، منهم من كان يبدأ بأمراض الرأس نزولًا إلى أمراض القدم، ومنهم من اختص بأمراض عضو معين مثل ابن العين زروبي الذي كتب عن الأمراض الجلدية، ووصف مرض الشقفة وهو معروف الآن بتقرحات تنشأ عن عدوى بكيتريا المكورات العنقودية.
وأرشد الرازي في “الحاوي” إلى وسائل التشخيص كجس النبض والتنفس ودرجة الحرارة وشكل الأظافر واحتقان العين، ووجَّه ابن سينا لضرورة فحص تغيرات البول، وكان ابن عيسى يستفسر عن التاريخ المرضي، وأشار لسان الدين بن الخطيب إلى أن الطاعون مرض مُعدٍ، واستخدم ابن التميمي الدُّخن لدفع الوباء؛ مما أوحى إلى استخدام البخار لقتل الجراثيم في العصور الحديثة، ووصف ابن زهر خرَّاج الحيزوم والتهاب التامور، وكان أطباء الإسلام أوَّل من ألفتوا الأنظار إلى شكل الأظافر في مرض السل.
كذلك اعتنى المسلمون بطب الأطفال ووصفوا أطوار الأجنة ومراحل الحياة بعد الولادة، وخصصوا كتبًا للمبتسرين ومشكلاتهم، والأمراض التي تصيب الأطفال من إسهال وحمى وتشنجات وشلل، وذكروا الرضاعة وأوصوا بالأطعمة التي ينبغي للأم تناولها، والأحوال التي يجب وقف الرضاعة فيها، ونصحوا بأن يكون الفطام تدريجيًّا وفي جو معتدل، ولا يصح إجبار الطفل على أداء حركة قبل أوانها؛ يقول ابن سينا: “ولا يجوز أن يُحمل على المشي والقعود قبل انبعاثه إليه بالطبع؛ فيصيب ساقيه وصُلبه آفة”، وبجانب عنايتهم بالأطفال اهتموا بأمراض النساء وتقلبات الدورة الشهرية، وما يعتري الحمل من مشكلات جسمية ونفسية، وأشاروا إلى الحمل الكاذب (الرحا)، وطرائق الولادة الطبيعية والقيصرية وأسباب عسر الولادة وكيفية التعامل معه، وتحدثوا عن العقم وعزوا أسبابه إلى الرجل والمرأة معًا.
ولم يهمل المسلمون الأمراض النفسية ولم يضعوها ضمن الأحوال الشيطانية كغيرهم، بل أكد الرازي العامل النفسي في شفاء الأمراض العضوية وأثرها في الحالة النفسية، وكان أوَّل من توصل إلى الأصول النفسية لالتهاب المفاصل، وعدَّد المشكلات الهضمية الناشئة عن الاضطرابات النفسانية، وعرف ابن سينا شيئًا من مبادئ التحليل النفسي، وكتب ابن عمران عن مرض “المالنخوليا”.
الفكرة من كتاب قصة العلوم الطبية في الحضارة الإسلامية
بلغت الحضارة الإسلامية في عصورها الذهبية مبلغًا أذهل الأعداء قبل الخِلان، وضربت بسهم وافر في شتى المجالات الإنسانية في زمن قياسي، لم تحظَ به أي حضارة أخرى ولا حتى الحضارة الغربية المعاصرة التي طغت منجزاتها المادية على رصيدها الروحي والأخلاقي، وكان التقدم الهائل في العلوم الطبية أحد مظاهر ازدهارها البارزة، والذي كان انطلاقًا دينيًّا في الأساس وتطبيقًا جمعيًّا لما حث عليه الشرع من التداوي وانتقاء الأكفاء لذلك، رغم ما يتبادر إلى الذهن من تعلق الطب بالجسد وحفظ الحياة الدنيا، فقد كان مظهرًا لتحقيق مقاصد الشريعة من حفظ العقل والجسد والنسل والدِّين كذلك.
مؤلف كتاب قصة العلوم الطبية في الحضارة الإسلامية
راغب السرجاني: طبيب بشري وأستاذ جامعي وكاتب، وداعية إسلامي مهتم بالتاريخ والحضارة، ومؤسس موقع قصة الإسلام، وُلد في المحلة الكبرى بمحافظة الغربية عام 1964، وتخرج في كلية طب قصر العيني، ثم نال درجتي الماجستير والدكتوراه في جراحة المسالك البولية.
أنجز كاتبنا الكثير من المشاريع التاريخية والدعوية، وحاز جوائز كثيرة منها: جائزتا المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وأفضل كتاب مترجم إلى اللغة الإندونيسية.
من أبرز مؤلفاته:
ماذا قدم المسلمون للعالم.
فن التعامل النبوي مع غير المسلمين.
قصة الأندلس من البداية إلى السقوط.