الأمان المفقود
الأمان المفقود
إن إتاحة كل هذه الخيارات أمام الإنسان، تجعله يفقد الكثير من المشاعر التي يستطيع بها أن يُكمِل هذه الحياة، كحالة الرضا والأمان والقناعة والالتزام وغيرها، وذلك بسبب حالة التغيُّر المُستمر والمعايير المُتباينة.
فمثلًا وفرة الاختيار تحول دون القدرة على الالتزام بموضوع أو علاقة واحدة، لذا نجد انتشار أنماط علاقات جديدة بين الرجل والمرأة توفِّر للذات ما تحتاجه من شعور دون أن تلتزم، كما أننا نرى تحوُّل رغبة المرء من حالة القناعة إلى حالة الاصطفاء، والفرق بينهما أن القنوع يسعد بالخيار الأول المُتاح -أن يكون جيدًا بما فيه الكفاية- أما المصطفي فهو يبحث عن أفضل خيار ممكن!
وذلك لأن الإنسان الحديث يبحث عن شعور الرضا عن الذات، لذا فهو يطلب الحُب من شريك مثالي، وهذه الحالة بدورها أفقدت الإنسان الأمان الشعوري الذي كان يُلبَّى من قِبل النسيج الاجتماعي والالتزام والطقوس الاجتماعية، والتي تُجسَّد القيمة الذاتية فيها من خلال قيم حالة مُجتمعية لا فردية، كالأسرة والامتداد التاريخي للقيم.
وفي محاولة لحل هذه المُعضلة؛ معضلة سد الأمان المفقود، فقد ظهر هوس جديد يُعرف بـ”حُب الذات”، وما هو إلا وسيلة تعكس مدى الصعوبة التي تعيشها الذات الحديثة، وبالتالي تحاول البحث عن الأمن عن طريق ذاتها أيضًا، وهذه معضلة أخرى.
كما أننا نسمع أيضًا عن “الخوف من الرفض”؛ حالة يشعر فيها المرء بتهديد صريح لكامل ذاته، فأن تكون مرفوضًا أي أن ذاتك مرفوضة، وهو شيء مؤلم بشكل كبير، وبالتالي فهو يتجنَّب منذ البداية الدخول في علاقة.
بجانب ذلك الإعلاء من شأن “الاستقلالية” في العلاقات، وذلك لأن الاستقلال الذاتي دليل على القيمة، فإن قيمة الذات تنخفض مع اعترافها بزيادة المحبَّة للآخر.
ويتضح جدًّا الألم المصاحب للذات عندما يتجاوز الفرد الحديث الانفصال العاطفي، ففي الغالب يستعين بالأصدقاء وبمن حوله ليُخبروه بشكل مُتكرِّر “أنه جميل”، أو “أنه أفضل”، ورد الفعل هذا مُراده الحد من شعور الانفصال الرومانسي الذي يُهدِّد الأمن الجوهري بقيمة الذات.
الفكرة من كتاب لماذا يجرح الحب: تجربة الحب في زمن الحداثة
لماذا يجرح الحُب؟ يُبدو السؤال في ظاهره سؤالًا مشوِّقًا لكثيرين مِمَّن مرُّوا بتجارب حُب مؤلمة، ولكن الحقيقة أن هذا الكتاب يُقدِّم الإجابة بشكل مُختلف، إذ إنه تحليلٌ اجتماعي مُقارن بين عصرين؛ الحداثة وما قبلها، فالحُب في كُل الأزمنة له حالاته المُصاحبَة بالألم، لكن في كتابنا توضح الكاتبة أن ألم الحُب في عصر الحداثة يختلف عن أيِّ ألمٍ للحُب في كل عصرٍ قبلها.
وذلك بسبب تغيُّر العديد من العوامل الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي بتغيُّرها تغيَّرت طبيعة الروابط الرومانسية، وقد حاولت الكاتبة توضيح تلك التغيُّرات من خلال تحليلها للنصوص الأدبية، وقيامها بعدد كبير من الحوارات واللقاءات مع عدد من الناس لتقيِّم حقيقة هذه التغيُّرات ومدى تأثيرها، لتُقدِّم لنا نتيجة هذه الدراسة وهذا التحليل في كتابنا.
مؤلف كتاب لماذا يجرح الحب: تجربة الحب في زمن الحداثة
إيفا إيلوز: عالمة اجتماع وُلِدت في مدينة فاس بالمغرب سنة 1961م، وكانت نشأتها في فرنسا وفي فلسطين -الأرض المُحتلَّة- والولايات المتحدة الأمريكية.
ركَّزت في مؤلفاتها على دراسة التقاطع بين تأثير الاقتصاد والثقافة في العاطفة والمشاعر، كما قامت بالكتابة في مواضيع مختلفة كالأدب والسياسة والشؤون الاجتماعية، وقد دُعِيَت لإلقاء المحاضرات في بلاد مختلفة، وفازت بعدد من الجوائز الدولية.
ألَّفت عددًا من الكُتب في عدَّة مجالات، منها:
Oprah Winfrey and the Glamour of Misery: An Essay on Popular Culture.
حميميات باردة: تشكيل الرأسمالية العاطفية.
معلومات عن المُترجم:
خالد حافظي: تونسي الجنسية، ويعمل أستاذ لغات ومترجمًا، وقد قام بترجمة عدد من الكُتب، ومنها:
الفلسفة: من الذي يحتاج إليها؟
هل يستطيع التابع أن يتكلم؟