الأقيسة
ولأننا أصحاب طاقات وقدرات محدودة فقد لا نستطيع أحيانًا أن نوصل المعنى الذي نريده بالتجريد وإنما قد نحتاج إلى التجسيم أو التشبيه أو القياس، باستعمال أشياء مادية محسوسة توصل المعنى بشكل أسهل وأيسر من مجرد استعمال الكلمات، بل ويمكننا استعمال تلك الأمثلة أو الشواهد المادية المصورة إلى حجج تدعم الفكرة وتزرع اليقين لدى الآخر أو توصلنا إلى نتائج مقنعة.
من الأمثلة التي ذكرها الكاتب قولهم “أن عجز الناس عامة عن انتخاب من ينوب عنهم كالتلاميذ الذين لا قدرة لديهم على انتخاب معلميهم” وإذا أخضعنا هذا القياس للتحليل، وجدنا أنه فاسد من عدة صور، إذ لا تلازم بين الأمرين أصلًا، كما أنه لا يمكننا أن نقارن بين عملية اختيار مرشح برلماني لها أبعادها المعقدة والكثيرة وعملية اختيار معلم في مدرسة، وهذا لايعني بالضرورة أن الأقيسة كلها فاسدة أو أن استعمالها خاطئ، على العكس لأن أسلوب القياس من الأساليب التي نستخدمها بكثرة وتميل إليها عقولنا لتسهيل وتقريب القضايا الجديدة من أخرى قديمة نعرفها، ولكن يعني ألا نسلم بالقياس دون أن نفحصه أولًا لنرى مدى التقارب والتلازم بين الأقيسة والنتائج.
يمكن أن يُستعمل القياس أيضًا بصيغة غير صريحة كالمجاز مثلًا، لتقرير فكرة أو قضية والخروج بنتائج تدعم تلك الأفكار أو القضايا وتكون حجة لها، كقولهم أيضًا كما يذكر الكاتب “حشو ذهن الولد بالمعلومات” فلو اعتبرنا هذا مجازًا فقط فهو لمجرد التوضيح، لكن لو كان الغرض من المجاز الوصول إلى نتائج من ورائه بشكل غير صريح فيكون استعماله هنا حجة. ومن المغالطات التي تحدث أن يُستعمل المجاز أو ما يُسمى بالقياس التصويري في إقناع الطرف الآخر دون وجود أي أوجه للتشابه بين الأمرين، فيكون قد جمع بين المثال الأول وهو مثال الطلبة والانتخاب وبين المثال الثاني، وذلك كقول أحد الأساقفة كما يذكر الكاتب “إن الفضيلة تنمو إذا سُقيت بمطر الحرب الأحمر!”.
ولا يخفى علينا أن كثيرًا من تصورات ونظريات العلوم إنما توصلوا إليها عن طريق القياس، قياس الجديد أو المحتمل بالمعلوم المعروف كقياس الإلكترونيات والذرات بأنها أجزاء دقيقة من المواد الصلبة ، لكن عند لحظة معينة توقفت العلوم كالفيزياء مثلًا عن استعمال الأقيسة، حينما تعارضت مع الواقع أو مع التجربة أو مع تقدم البحث العلمي فيها، لذلك نجدهم في ما بعد قد لجؤوا إلى استعمال المعادلات الرياضية في التعبير عن تلك النظريات، مما جعلها غير مفهومة بالنسبة إلى كثير من الناس.
الفكرة من كتاب التفكير المستقيم والتفكير الأعوج
ينشأ الخطأ في التفكير ابتداء من الخطأ في فهم الآخر وفهم الطرق والأساليب التي يستعملها في إيصال أفكاره، وفي هذا الكتاب يناقش الكاتب تلك الطرق والأساليب التي تقودنا نحو تفكير مستقيم أو تفكير خاطئ أعوج مستندًا في ذلك إلى عديد من الأمثلة، خصوصًا السياسية منها.
الدكتور روبرت هنري ثاولس، أستاذ في جامعة كمبريدج، عمل محاضرًا لعلم النفس في جامعتي مانشستر وجلاسجو، وله مؤلفات في علم النفس منها:
سيطرة العقل
علم النفس العام والاجتماعي
معلومات عن المترجم:
حسن سعيد الكرمي، خريج الكلية الإنجليزية في القدس، والتحق بإدارة المعارف في فلسطين معلمًا للإنجليزية، وعند انتهاء الانتداب البريطاني عمل مراقبًا بالإذاعة البريطانية في لندن، وألف كتبًا باللغة الإنجليزية عن فلسطين.