الأقليات في الوطن العربي
الأقليات في الوطن العربي
ننتقل الآن إلى قضية عدد الأقليات غير المسلمة في الوطن العربي والعالم الإسلامي عمومًا، فمتوسط نسبة النصارى في البلاد العربية وتركيا يصل إلى 3.8%، وفي مصر يمثِّل الأقباط النصارى أكبر الأقليات النصرانية في الدول العربية لكن تشهد هذه النقطة تحديدًا جدلًا واسعًا، فلماذا؟
يتمثَّل الجدل القائم في ملاحظة أن نسبة الأقباط في مصر تشهد انخفاضًا منذ عام 1907 حتى عام 1960م ثم إلى 1986م وما بعده، وسبب ذكرنا لهذه الأعوام على فترات هو أن المنحنى يهبط بانتظام، ما يؤكد عدم وجود افتعال مقصود في هذه الظاهرة، ويذكر الكاتب أن السبب الأول هو أن أقباط مصر قد سبقوا المسلمين إلى تخفيض عدد المواليد، حتى أصبحت نسبتهم في عام 1986م تصل إلى 5.9%.
وهناك تحديات تواجه هذه الأقليات كما هي نفسها التحديات التي تواجه الأمة، حيث اعتبر الكاتب أن الهيمنة الغربية تريد جعل تلك الأقليات “أوراق ضغط” لتنفيذ أهدافها، وأكبر دليل لذلك هو مشاريع الحماية التي تتخذها الدول الاستعمارية الكبرى كذريعة لغزو الدول بحجة حماية أقلية ما، وهذا ما نتعلمه من التاريخ جيدًا منذ بداية الحملات الاستعمارية الحديثة، حين عزم “بونابرت” على تجنيد عشرين ألفًا من أبناء الأقليات غير المسلمة في مصر، ليكونوا جندًا له يعينونه على بناء إمبراطوريته الاستعمارية، ثم فعل ذلك مع الأقلية اليهودية حين حاصر مدينة “عكا” الفلسطينية عام 1799م، وكان نداؤه لليهود يتضمَّن عرضه بمساعدتهم على احتلال فلسطين.
الفكرة من كتاب الإسلام والأقليات: الماضي.. والحاضر.. والمستقبل
إن نقطة قوة الحضارات تكمن في أقليَّاتِها، فمنها تعرف أتستقرُّ الحضارة أم تزول ولا يبقى لها أثر، وكذا الحال في إمبراطوريات مضت كالرومانية التي لم تُهلك إلا بالأقليات الموجودة بها، ولقد كان من الضروري أن نتعمَّق في موقف الإسلام مع الأقليات والسياسة التي تعامل بها معهم حينما كانوا تحت ظلاله ولا يزالون.
وعمومًا، فبمرور الزمن وتتابع التاريخ ستجد أن سياسةً استعمارية قد بلورت أهدافها على يد هذه الثغرة؛ ثغرة الأقليات، وكلُّ ما عليك أن تدعم أقلية وتسلِّط الضوء عليها، فهذا يكفي لإسقاط دولة سمحت لك بالتغلغل في هذه الثغرة كدول لبنان وسوريا والعراق وليبيا، فما القصة؟
مؤلف كتاب الإسلام والأقليات: الماضي.. والحاضر.. والمستقبل
الدكتور محمد عمارة (1931-2020)، هو مفكر إسلامي مصري، وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، وعضو هيئة كبار علماء الأزهر الشريف، ورئيس تحرير مجلة الأزهر سابقًا، حصل على الليسانس في اللغة العربية والعلوم الإسلامية عام 1965م من كلية دار العلوم جامعة القاهرة، ثم نال درجة الدكتوراه في الفلسفة الإسلامية عام 1975م، وألَّّف ما يصل إلى 147 كتابًا، ومن أهم مؤلفاته:
عندما دخلت مصر في دين الله.
مقوِّمات الأمن الاجتماعي في الإسلام.
القدس بين اليهودية والإسلام.