الأفكار وتغير أخلاق الأمم
الأفكار وتغير أخلاق الأمم
رغم ثبات الصفات النفسية للعرق البشري فقد تأخذ في التحول على مدى الزمن شيئًا فشيئًا حتى ينضج هذا التحول ويستقر فيُطبع أثره على أخلاق الأمم، وتعد العوامل المسؤولة عن إحداث مثل ذاك التغير من الكثرة بمكان بحيث لا يمكن حصرها، فمن منافسة من أجل البقاء ومن احتياجات حيوية إلى معتقدات وتربية، غير أن أوقع تلك العوامل أثرًا يكمن في الأفكار أو المبادئ الأساسية التي تسيطر على أفراد عرق ما.
ولا تكتسب الأفكار قوتها بكثرتها وإنما بنفاذها إلى حمى اللاشعور، فحينها تخرج عن طاعة العقل ولا يكون له عليها سلطان، وهذا الأمر لا يحدث بين يوم وليلة، بل يحتاج الأمر إلى زمن طويل، ذلك أن ميدان اللاشعور عادةً ما يكون مزدحمًا ببعض الأفكار والمعتقدات القديمة، وهنا ينشأ الصراع الفكري بين مبدأ قديم وآخر حديث يسطو على مملكته، بيد أن الفكرة إذا استتبَّ لها الأمر واستقرت اكتسبت بذلك سلطانها وكانت سببًا في نتائج ثورية بقدر ثوريتها.
ومن هنا كان الإيمان بفكرة ما ليس له عدو يخشاه إلا إيمان مثله، وعن طريق العدوى تنتقل الأفكار بين الأفراد وتذكيها ملكة التقليد الأعمى التي تتلقَّف كل ما يُلقى عليها، ونتيجة لذلك تتشوَّه الفكرة رويدًا رويدًا ويُسلَب منها مضمونها، ورغم أنها في النهاية استقر بها الحال أن تُختزل في كلمة أو كلمتين فإن سلطانها لا يزال نافذًا عند أتباعها، فكلمة الاشتراكية مثلًا بمجرد أن يتم نطقها كفيلة بأن تحدث قوة سحرية يخضع لها معتنقوها، ولكي يتخلَّص جنس ما من هذه العبودية لفكرة ما يحتاج الأمر إلى قرون عديدة أو ثورات عنيفة أو كليهما.
الفكرة من كتاب السنن النفسية لتطور الأمم
إن الذي يستطيع الوصول إلى تلك القوى النفسية الخفية فقد فُتح له باب سر الوجود وأصبحت مصائر الشعوب بيده، ذلك أن الأمم مُسيَّرة بتلك القوى النفسية من مشاعر وأخلاق واحتياجات وطبائع وشهوات وأوهام.
يسلك الكاتب مسلكًا يرتكز على الملاحظة العلمية، في دراسة التاريخ لاشتقاق أحوال صعود الأمم وهبوطها وسبر أغوارها، وكيف تتشكَّل نظرتها إلى الواقع المحيط، كما يدلف إلى نزعاتها النفسية التي تحدد قالبها الفكري والشاعري ومن ثم مصيرها.
مؤلف كتاب السنن النفسية لتطور الأمم
غوستاف لوبون Gustave Le Bon: طبيب ومؤرخ فرنسي، وواحدٌ من أشهر المؤرخين الأجانب الذين اهتموا بدراسة الحضارات الشرقية والعربية والإسلامية، ولد في مقاطعة نوجيه لوروترو، بفرنسا عام ١٨٤١م، ودرس الطب، وقام بجولة في أوروبا وآسيا وشمال أفريقيا، وأنتج مجموعة من الأبحاث المؤثرة عن سلوك الجماعة والثقافة الشعبية ووسائل التأثير في الجموع، ما جعل من أبحاثه مرجعًا أساسيًّا في علم النفس، توفي في ولاية مارنيه لاكوكيه، بفرنسا 1931م.
من أهم مؤلفاته:
روح الجماعات.
حضارة العرب.
سيكولوجية الجماهير.
روح الثورات والثورة الفرنسية.