الأعراض النفسانية
الأعراض النفسانية
يتعرَّض الإنسان لأمور تؤثر في نفسه ابتداءً ويتبعها البدن متأثرًا بها، وهذه هي الأعراض النفسانية التي يعرفها المؤلف بقوله: “الأعراض التي تحدث وتزول لأنها هي التي تتصل أسبابها بأسباب البدن فتقلقه وتغيره أو تؤثر فيه آثارًا كثيرة ما ترجع بالضرر عليه”، ونذكر منها هنا الغضب والخوف والحزن.
فأما الغضب فهو من المتكرر للإنسان وبخاصةٍ إذا كان ممن هذا طبعه، أو كان ممن يتعرض لعوامل خارجية وتعاملات بشرية توصله إلى درجة الغضب، إذ إن مشكلة الغضب أنه نار إن لم تسيطر عليها في بداية اشتعالها عظُمت وأحرقت كل ما حولها وأعقبت ندمًا ربما لا يتاح لك تداركه، لهذا عظمت مقاومته ودفعه عن النفس بتذكُّر فضيلة الحلم والصفح، وبمحاولة تسكين النفس بالنظر إلى الفعل وتقييمه لا إلى صاحبه، وأنه هو نفسه قد يقع فيما يغضب عليه فيلطف بالفاعل ويحلم به، وأيضًا أن يستعين بنصيحة أو تدخُّل خارجي يسكِّن من فوران هذا الغضب في نفسه.
أما الخوف فهو شبيه بالغضب في تكراره، فالأشياء المخيفة كثيرة جدًّا، إلا إن المشكلة الحقيقية في وصول ذلك الخوف إلى درجة الفزع مع أن ما يخيف في مجمله لا يوصل إلى تلك الدرجة فعلًا، ويعد الجهل من أكبر أسباب الخوف، فقد تخاف من فكرة طرأت على ذهنك، وقد تخاف من صوت تسمعه في المطبخ بجانبك، العامل المشترك بينهما هو أنك تجهل حقيقة تلك الفكرة التي وردت عليك لأول مرة فتخاف من أن تضرك، أو من أن تكون خاطئة أو محرمة، وبالمثل تجهل مصدر الصوت فتخاف منه، لذا كانت الوقاية بالمعرفة والتعلم هي أهم أسباب دفع الخوف والفزع، وكلما ازدادت تجارب المرء وخبراته ساعده تذكُّرها على أن يقوي نفسه ويذكِّرها بما مر به من قبل وكيف تجاوزه بسلام، الجدير بالذكر أنك يمكنك أن تستعمل الغضب في توجيهه إلى نفسك حال الخوف من باب الأنفة والعزة تذكيرًا لها بأن الخوف من صفة النساء والصبيان والجُهَّال.
وأما الحزن فيتشابه مع الخوف في كون الخوف متولِّدًا من مكروه مستقبل، والحزن من ماضٍ كما يذكر البلخي، ومشكلته حين يستحكم على النفس ويتمكَّن منها، وهو مما لا يمكن تفاديه في هذه الحياة الدنيا بما جُبلت عليه، ومشكلته أيضًا أنه قد يصل إلى مرحلة الجزع، وهذا أيضًا مما يمكن مقاومته ابتداءً بتذكير النفس بحال الدنيا وبرؤية المصابين والمبتلين من حولنا وبتذكُّر ما مر بنا وكيف أنه انقضى ومر، بل وتلته أيام من الراحة والسرور.
الفكرة من كتاب مصالح الأبدان والأنفس
إن جهلنا بتاريخنا الإسلامي وغلبة المادة والنظرية الغربية المفسِّرة لكل شيء من حولنا تقريبًا أورثنا ضعفًا وانقيادًا للغرب بمخرجاته صحيحة كانت أم فاسدة، وأسلمنا أنفسنا وأجسادنا (بالمعنى الحرفي) له ليجرِّب ويكتشف، ثم يتبيَّن خطأه ونقصه بعد مرور الأعوام وفوات الأوان!
هذا الكتاب يعد دليلًا قويًّا على سبق العالم الإسلامي في الطب النفسي منذ مئات السنين، وبخاصةٍ في العلاج المعرفي السلوكي الذي ينبهر الغرب اليوم بنتائجه، ولكنها عقدة النقص!
مؤلف كتاب مصالح الأبدان والأنفس
أبو زيد البلخي: وُلد في مدينة بلخ، والتي تُعد من أكبر مدن خراسان، وهي اليوم مدينة من مدن أفغانستان عام 235 للهجرة، وفي شبابه سافر إلى العراق طلبًا للعلم فتبحَّر في الفلسفة والفيزياء والتنجيم وأصول الدين والطب، وتتلمذ على يد علماء كبار من بينهم يعقوب بن إسحاق الكندي الفيلسوف العربي المعروف.
لم يكن عصر البلخي عصرًا هادئًا، بل كان مضطربًا من الناحية السياسية ومن الناحية الدينية أيضًا، فأما من الناحية السياسية فاتسم العصر بضعف الدولة العباسية وتكالُب الفتن عليها من كل حدب وصوب، وباشتعال الفتن في البلاد التابعة لها ومن بينها خراسان، واتسمت تلك الفترة أيضًا بظهور الفرق والحركات الباطنية كحركة الزنج والقرامطة مثلًا؛ خروجًا على الدولة العباسية وتأسيسًا لمُلك مستقل عنها، بل وظهرت الفرق والمذاهب الكلامية أيضًا، ويبدو أن البلخي نفسه قد تأثَّر بشيء منها ثم عاد إلى جادة الصواب، ويُقال بل كان على العقيدة الصحيحة، ولم تتكدَّر عقيدته بشيء من ذلك.
بعدما أنهى رحلته في العراق عاد إلى مدينته وعرض عليه حاكمها أحمد بن سهل المروزي الوزارة فرفض البلخي هذا العرض وقبِل أن يكون كاتبًا للحاكم.
ألَّف البلخي ما يقارب الستين كتابًا، ومن ذلك:
فضيلة علم الأخبار.
فضل مكة على سائر البقاع.
الشطرنج.