الأطفال هم ضحية التسارع!
الأطفال هم ضحية التسارع!
في البداية كان العمل له وقت معين، وعند ظهور التكنولوجيا ظننا أنها ستوفِّر لنا الكثير من الوقت، لكنها وعلى عكس المتوقع جعلتنا متاحين طول الوقت، وبدأ العمل يدخل إلى كل ركن من أركان حياتنا، حتى دخل العمل إلى المنزل، وصرنا في وضع الاستعداد والضغط طوال الوقت!
وقد زادت مخاطر الإصابة بالأمراض نتيجة للإجهاد في العمل واختفاء الروابط الاجتماعية، وقد بدأ الناس في صحوة جديدة بسبب الحياة الروتينية وبدؤوا يتساءلون إن كان بمقدورهم التحكم في أوقات عملهم وتحقيق التوازن ما بين العمل والحياة، وأكثر من يسلكون هذا الاتجاه هم النساء، فقد اكتشفن بعد حرب مع السرعة والساعات المكتظَّة بالعمل أن السعادة والنجاح ليست في أن يكون مشغولًا، بل في الشعور بالرضا الذي يحقِّقه التباطؤ!
ويمكن أن تكون أكبر كارثة حقَّقها العالم المتسارع هو أنه الأطفال أصبحت تكبر في عالم يجري فيه الوالدان لشعورهم بعدم الأمان الوظيفي، يريدون تحقيق أكبر قدر من الرخاء لهم ولأولادهم، فنشأ جيل يرى أن السرعة هي الوضع الطبيعي، فقد تحوَّل الطلاب من سن صغيرة إلى ترس في عجلة السرعة، يريدون إنهاء التعليم بسرعة بتكديس البرامج الدراسية رغم أن إتقان أي تخصُّص دراسي يحتاج إلى وقت وليس مجرد برامج مكثفة لأنك ستكون شخصًا غير موثوق في جودة علمك، ثم بدأ فيروس السرعة يتخلَّل حياة الصغار بشكل رهيب فقد بدأ عندما التفكير مبكرًا في شكل الجسم والجنس والحياة المهنية!
لا يولد الأطفال مندفعين منقادين نحو السرعة، بل نحن من نضعهم في هذا السباق فقد تجد الأطفال الآن قبل بلوغهم السادسة مع أهاليهم الطموحين الذين يريدون من طفلهم أن يتقن لغة الإشارة واللغة الفرنسية والإسبانية ويعزف لموتسارت ويصبح الأول على صفه في المدرسة، ويدفع الأطفال الثمن غاليًا لكل هذا العبث فتجد الأطفال لا يتجاوزون السنوات الخمس يعانون الاكتئاب والأرق والصداع والكثير من المشاكل الجسدية، وقلة وجود الصداقات.
ومن هنا بدأت الدعاية إلى التعليم المنزلي، فإن كنت تريد طفلًا معًا فإن كل ما عليك أن تربي طفلًا متأنيًا مسترخيًا، وأن تجعله يقضي طفولته في اللعب والرسم والتعلم عن الطبيعة لاتريد لطفلك بالطبع أن يتخطَّى مرحلة الطفولة والمراهقة ويتحوَّل إلى رجل بالغ وهو لم يتجاوز السابعة، فأنت هكذا تأخذ طفلك إلى الانهيار وتمنعه من قضاء طفولة سعيدة في اللعب واللهو بعيدًا عن القلق وضيق الصدر وقضم الأظافر.
الفكرة من كتاب في مديح البطء (حراك عالمي تحدَّى عبادة السرعة)
في البداية تم بناء سفينة “غير قابلة للغرق”؛ رغبةً من العالم في تسجيل سرعات قياسية لعبور المحيط الأطلنطي مهما كان الثمن، ولكن للأسف تم اصطدام هذه السفينة بجبل جليدي، ما أدَّى إلى غرقها في اليوم الرابع من إقلاعها!
“تيتانك” بالطبع نعلم جميعًا هذه السفينة، ومن هنا بدأت صيحات العالم لإيقاف حماقة السرعة والتأمل في استعبادها لنا.
يبدأ الكتاب بالحديث عن أضرار السرعة على المجتمعات من جميع النواحي، ويشرح بعدها معنى مفهوم الوقت ومتى ظهر وكيف كان القدماء يتعاملون معه ومتى ظهر مفهوم السرعة، ثم يدعونا الكاتب لعالم بطيء متمهِّل فيحكي لنا عن نادي الكسل في اليابان وقرى بطيئة في إيطاليا، وكيفية تنشئة طفل متمهِّل، وكيف أفقدتنا السرعة متعة الأشياء كالطعام والجنس وحتى متعة التفكير والطب، وكيف نتغلَّب عليها وننعم ببعض الهدوء.
مؤلف كتاب في مديح البطء (حراك عالمي تحدَّى عبادة السرعة)
كارل أونوريه: هو صحفي كندي من مواليد اسكتلندا 1967، تخرَّج في جامعة إدنبره، وهو حائز على شهادتين في التاريخ واللغة البريطانية، عمل مع أطفال الشوارع في البرازيل، وهذا ما ألهمه أن ينحو نحو الصحافة،كتب العديد من الكتب التي حقَّقت رواجًا عالميًّا، وأشهرها: “في مديح البطء”.
معلومات عن المترجم:
ماهر الجنيدي: مستشار إعلامي وكاتب ومترجم سوري مقيم في دبي، بدولة الإمارات، وهو من مواليد حمص 1961 حاز على البكالوريوس في الهندسة، ثم درس الأدب الإنجليزي عامين في جامعة حلب، وتفرَّغ منذ عام 1996 للعمل الصحفي والإعلامي حتى شغل منصب مدير تحرير الطبعة العربية في مجلة PC Magazine ورئيس تحرير مجلة “إنترنت العالم العربي”، وكذلك أشرف على ترجمة “فوربز” العربية وغيرها.