الأطروحة الأولى لتوصيف السعادة
الأطروحة الأولى لتوصيف السعادة
بإمكان الجميع تحقيق السعادة باستمرار، وذلك لسبب أساسي، وهو أنها لا تتوقَّف في الأساس على الآخرين ولا على وضع العالم الخارجي، لكنها قبل أي شيء تتوقَّف على الشخص نفسه، وقدرته على إحداث توازن مع نفسه من خلال القيام بالتمارين النفسية والذهنية التي توفرها الفلسفات والعلوم الإنسانية القديمة، فتتحقَّق السعادة الدائمة من خلال الاعتماد على النفس، وهي بالطبع منفتحة على الآخرين، لكنها تعتمد اعتمادًا أساسيًّا على الشخص ذاته.
وأولى حُجَح هذه الأطروحة في التفسير أن السعادة متوقفة على الشخص ذاته فقط وليس على الآخرين والعالم الخارجي، فأحيانًا يكون من الصعب أن يغير الإنسان الواقع والسياسة السائدة، ومن السهل إغواؤه بأن يغير نفسه، فوجد فلاسفة كثيرون صدًى كبيرًا لهذا الرأي، والحجة الثانية أن من الممكن تحقيق السعادة العميقة الدائمة عندما يغير الشخص نظرته إلى العالم، ويؤكد الكاتب أن هذه الاعتبارات لا ترتبط بالأوقات التي يكون فيها الشخص على ما يرام، لكن يتسع معناها حين تتعسَّر أوضاع الحياة، ومن المحتمل أن يصبح الشخص سعيدًا والعالم من حوله مكتظ بالتعاسة، بل يصبح ذلك واجبًا أخلاقيًّا، من خلال فكرة أن السعادة مُعدية ومفيدة للآخرين، وهذه الحُجة هي نتيجة مباشرة للحُجة الأولى، فما دامت السعادة لا تتوقَّف إلا على مدى انسجام الشخص بذاته، إذن فمن حقه الاشتغال على نفسه وروحه وجسده في كل الأحوال للوصول إلى هذه السعادة.
والحجة الثالثة والأخيرة أن السعادة قابلة للتعريف، ويكفي لذلك نجاح كل شخص في فهم طبيعته الحقيقية، وحاجته الأساسية وذاته الخاصة، بمعنى أصح: أن ينتقل الإنسان من الكم إلى الكيف، وأن يتعلم كيف يعيش الحاضر بعيدًا عن سراب الماضي والمستقبل وسراب الحنين والأمل، وأن يحب ما يمتلكه أكثر مما لا يملكه، والإيمان بفكرة أن فترات المعاناة قصيرة على العموم، ويمكن تجنُّب أغلبها من خلال تذكُّر الأوقات السعيدة.
الفكرة من كتاب مفارقات السعادة
من السهل تحديد أسباب التعاسة كهجر حبيب أو فقدان صديق أو حادث أليم، أما السعادة فمن الصعب تحديد تعريفها، وتحديد أسبابها، ولذلك يحاول الكاتب هنا البحث عن أسباب توفير لحظات السعادة والاطمئنان في الحياة، وهدم كل الأفكار المشوهة.
مؤلف كتاب مفارقات السعادة
لوك فيري: فيلسوف فرنسي ولد سنة 1952، شغل منصب وزير التربية والتعليم في فرنسا في الفترة (2002: 2004).
التحق لوك فيري بالتدريس، فدرَّس الفلسفة والعلوم السياسية في جامعات فرنسية كثيرة، وبدأ نشر إنتاجه منذ 1985 بكتاب ينتقد الفكر الفلسفي السائد، وعنوانه “مقال في مناهضة الإنسية المعاصرة”، ثم أصدر كتابًا بعنوان “النظام الإيكولوجي الجديد”، وآخر بعنوان “الإنسان الإله أو معنى الحياة”.