الأصالة والمعاصرة
الأصالة والمعاصرة
كان العرب أشبه بقبائل متناحرة لا يجمعهم أي رباط ولا يعرفون عن الحضارة يمينًا من شمال، حيث كانوا أشبه بصومعة مغلقة على نفسها، فكان اختلاطهم بباقي الأمم أشبه بصدمة حضارية نتيجة لتلك الفوارق الهائلة بين الحضارات، خصوصًا بعد أن جاءت أوروبا إلى البلدان العربية حاملة معها إنتاجها الحضاري الضخم، مما خلق نوعًا من المواجهة بين العقل العربي ومعطيات الحضارة الماثلة أمامه، فتشكَّلت فجوة تمت ترجمتها في بعض الأحيان إلى التوجُّس والحذر، فالإنسان دائمًا عدو ما يجهل، لا سيما وإن كان قادمًا من عدوه ومصادمًا لتراثه من العادات والتقاليد، ومن هنا نشأت بذور الصراع بين الأصالة المتمثِّلة في العادات والتقاليد والأعراف وبين المعاصَرَة المتمثِّلة في إنتاج العقل الغربي من المقوِّمات الحضارية المختلفة.
وأمام تلك القضية برزت ثلاثة اتجاهات، دعا الأول منها إلى رفض المعاصَرَة جملة وتفصيلًا والعودة إلى التقوقع داخل ميراث الأجداد والدخول طواعيةً في سجن الماضي، والتخلُّف عن السير في ركب التقدم والحضارة، وعلى العكس تمامًا برز الاتجاه الآخر في الدعوة إلى نبذ الماضي والأصالة بكل ما فيها واللهث وراء الأسباب الحضارية للأمم الأخرى واستنساخها في الواقع العربي، حتى لو تطلَّب ذلك الانسلاخ من كل القيم والأعراف المجتمعية، فهي على حد وصفه أصنام جاهلية يجب إزاحتها عن طريق الحضارة.
وبين هذا وذاك ظهر فريق ثالث يدعو إلى محاولة التوفيق بين التراث والحاضر، فهو من ناحية يرى أن كل تقدم في الماضي قد يصبح تخلفًا إذا تم نقله بحذافيره وزرعه عنوة في تربة مغايرة، كذلك أيضًا يرى أن ضرورة الأخذ بأسباب الحضارة للأمم الأخرى لا يعني ذلك الذوبان فيها، فالحضارة ما هي إلا طريقة للاستجابة لمتطلَّبات المعاصرة وفق نهج الأصالة.
الفكرة من كتاب خطاب إلى العقل العربي
في ظل أزمة ثقافية يعيشها الوطن العربي، أصبح المثقف العربي خلالها غريبًا في وطنه ويجد صعوبة في التواصل مع الوسط المحيط، فضلًا عن وسائل التواصل التي انتشرت حاليًّا وتعمل بصورة أو بأخرى على تشكيل القالب الثقافي المجتمعي.. في هذا الكتاب يحاول المؤلف الاقتراب من الأزمة الثقافية العربية، ومشكلة التوافق بين الأصالة والمعاصرة، والصدام مع السلطة والتقاليد، وبحث العلاقة بين الذكاء الاصطناعي المتمثِّل في العقل الإلكتروني وبين العقل البشري.
مؤلف كتاب خطاب إلى العقل العربي
فؤاد زكريا: أكاديميٌّ مِصريٌّ وعَلَمٌ من أعلام الفِكر العربي المُعاصِر، وُلِد في مدينة بورسعيد في ديسمبر عامَ ١٩٢٧م، وتخرَّجَ في قسم الفلسفة بكلية الآداب بجامعة القاهرة، ونالَ درجتي الماجستير والدكتوراه من جامعة عين شمس.
عمِلَ أستاذًا ورئيسًا لقسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة عين شمس، وعمِلَ بالأمم المتحدة مستشارًا لشؤون الثقافة والعلوم الإنسانية في اللجنة الوطنية لليونسكو بالقاهرة، ونال جائزةَ الدولة التقديرية، وجائزةَ الدولة التشجيعية عامَ ١٩٦٢م عن كتابه «اسبينوزا»، وجائزةَ مؤسسة الكويت للتقدُّم العلمي عامَ ١٩٨٢م عن ترجمته لكتاب «حكمة الغرب» لِبرتراند رسل، تُوفِّي بالقاهرة عامَ ٢٠١٠م، عن عمر يناهز الثلاثة وثمانين عامًا.
له العديدُ من المُؤلَّفات منها: «التفكير العلمي»، و«الثقافة العربية وأزمة الخليج»، و«الصَّحْوة الإسلامية في ميزان العقل»، و«آراء نقدية في مشكلات الفِكر والثقافة»، وغيرها الكثير.