الأسى لا يتطلب سوى إدراكه
الأسى لا يتطلب سوى إدراكه
نصل مما سبق إلى أن الفكر وحده لا يحل المشكلات بشكل مطلق، وإلا لما أنتج هذا المجتمع بفوضاه الظاهرة بجانب الإيجابيات، ولهذا يجب أن يشتغل الفكر على أشياء ويترك أخرى، فمثلًا يمكنه الاشتغال في الحياة اليومية والتكنولوجيا والمعرفة، لكن لا يجب أن يتطفل على أمور أخرى، كالتغلب على الأسى مثلًا، فلا يوجد إنسان على وجه الأرض قد نجا من الأسى والألم والقلق، وببساطة يمكن القول إن الفكر لا يمكنه إنهاء الأسى، إذًا كيف يمكن أن نتعامل مع مشكلات معينة طالما لا تتطلب فكرًا؟ يتم ذلك برصدها دون أي ترجمة أو تأويل أو إدانة أو تحيز، فمثلًا إذا كنا نعاني من أسى الوحشة وفقدان شخص ما بانتهاء العلاقة أو بموته، ففي هذه اللحظة يجب النظر إلى الأمر دون وضع الذهن الواعي والذهن اللا واعي في الاعتبار، وهنا فقط نستطيع النظر إلى المشكلة دون ضغوط.
تسببت التكنولوجيا في زيادة وقت الفراغ للإنسان، الذي سيستعمله المرء في الترفيه بطبيعته مع تدمير العلاقات الاجتماعية، فالترفيه هو الوسيلة للهروب ونسيان النفس، كما أنها تخلق نوعًا من الاتكال على بعض الأشياء كالموسيقى والجنس أملًا في الوصول إلى لذة كمهرب، لكن الحياة لا تقتصر على مجرد اللذة، التي تترافق بطبيعتها مع البؤس والأوهام، وبالتأكيد يتهرب الإنسان حينها إلى سؤاله حول الغاية من هذه الحياة، بينما الصواب هو أن نتوقف عن الاستمرار في محاولة فهم غاية الحياة، لأن ذلك لا يخلق إلا الفوضى وأن ندرك أن الإنسان الذي يحيا حياةً غنية هو الذي يرى الأشياء كما هي ويكتفي بما عنده، فالأمر يشبه الحب، ولا يمكن أن نجد الحب عبر السعي في طلبه، وإنما نجده عند الفِعل ووجود العلاقة.
الفكرة من كتاب ماذا أنت فاعل بحياتك؟
إننا نعيش هذه الحياة بكامل لحظاتها المتنوعة بين السعادة والبؤس، والأمان والخوف، والسلام والحروب، فنرى أن البؤس منتشرٌ أكثر، والقلق هو آفة العصر بأكمله نتيجة لنظام عالمي جعل الإنسان قلقًا بشأن كل شيء تقريبًا، ماضيه وحاضره وبشكل خاص مستقبله، لكن ما الحل إذًا؟ هل يكمن في محاولة فهم الحياة أم تقبلها كما هي؟
في الحقيقة، قد تصعب الإجابة على ذلك السؤال، لكن قد نصل إلى أننا البشر قد تفننا في اختلاق مهارب عديدة من مآسينا، ثم غرقنا في فخ المقارنات ومحاولة السيطرة على كل شيء تقريبًا، وهذا ما جعل الكاتب يتوصل إلى حلٍّ ما، حل مرتبط للغاية بفهم الذات.. فكيف يكون ذلك؟
مؤلف كتاب ماذا أنت فاعل بحياتك؟
جدو كريشنامورتي (1895- 1986)، فيلسوف وكاتب هندي، هدف في كتاباته ومحاضراته إلى البحث في العقل والعلاقات والمجتمع، وارتباط التغيير بين المجتمع والفرد، وقد استطاع التأثير في ملايين الأشخاص في رحلاته حول العالم، كما ألّف نحو خمسة وسبعين كتابًا، وسبعمئة شريط صوتي، وبيعت أكثر من أربعة ملايين نسخة من كتبه، ومن أهم مؤلفاته:
يقظة الفطنة.
الحرية الأولى والأخيرة.
التحرر من المعلوم.
معلومات عن المترجم:
ديمتري أفييرينوس، كاتب ومترجم يوناني من أم سورية، مما أكسبه قدرة على اكتساب اللغة العربية وترجمة العديد من الكتب والمؤلفات إليها، كما أنه عمل باحثًا في العلوم اليونانية والتعرف على الأديان.