الأسطورة الخالدة

الأسطورة الخالدة
تحدثنا سابقًا عن الكتابة وكونها أحد أهم الابتكارات الفاصلة في تاريخ البشرية، لذا من الرائع أن نعرف تلك الأسطورة التي تُلخِّص كثيرًا من الحوارات والنقاشات التي تدور في كل العصور عقب ظهور الابتكارات.
تقول الأسطورة إن “تحُوتِي” -صاحب الحكمة عند الفراعنة- ذهب إلى “آمُون” يعرض عليه اختراع الكتابة واقترح أن تنتقل إلى بقية المصريين، قائلًا إن الكتابة وصفة للحكمة ولقوة الذاكرة للمصريين، ولكن جاء في إجابة “آمون” تخوف كبير بمقدار تفاؤل “تحوتي”، فذَكَرَ أن الكتابة ستعمل على انتشار النسيان وإهمال حفظ الأشياء في الذاكرة، كما أن صوت التلاميذ سيعلو وذلك لقدرتهم على قراءة كثيرٍ دون الحاجة إلى إرشاد المعلم، مما سيجعل التعامل معهم صعبًا.
وهكذا مع كل اختراع ينقسم الناس إلى “تحوتيين” يتحمسون للابتكار ويبرزون أفضل ما فيه، و”آمونيين” يسلطون الضوء على الأضرار الناتجة عن هذا الاختراع التي ستغير مجرى التاريخ.
التليفزيون كمثال، عندما ظهر في نهايات الأربعينيات من القرن العشرين وبدأ انتشاره، كان “التحوتيون” متحمسين له ويرون أنه أداة للتنوير والتثقيف وبوابة لنشر العلم والمعرفة والتفاهم بين الثقافات المختلفة حول العالم، وجَعْل البشرية تعيش في قرية صغيرة، ولكن “الآمونيين”، الذين أثبتت الدراسات صحة تخوفهم، رأوا أن التليفزيون بدلًا من أن يحول العالم إلى قرية صغيرة، حوّل الأسر إلى جزر متجاورة منعزلة صامتة، فالآباء وجدوا فيه جليسًا رخيصًا لأبنائهم. وعلى الرغم من تحذير الباحثين من أن كثرة التعرض لمشاهد العنف والقتل التي ستصيب الصغار والكبار بحالة من التبلد وغياب التعاطف مع الآخرين وكثير من الأضرار النفسية والفكرية والاجتماعية، فإن فريق “التُّحُوتيين” قد فاز، وكُتب لهذا الاختراع البقاء والاستمرار لتوافقه مع المصالح السياسية والاقتصادية.
وقبل انتقالنا إلى الحديث عن إنترنت القرن الحادي والعشرين وما سبَّبه من تغييرات، فلنتعرف على إنترنت القرون الوسطى، “الطباعة” التي لها الأثر نفسه الذي أحدثه الإنترنت عند ظهوره، فقد عملت على إعادة توزيع السلطة وتمكين الجماهير من المعرفة والثقافة بعد أن كانت بيد الأغنياء والكهنة، ولم يعد يقتصر التاريخ على ذِكر أخبار النخب السياسية والعسكرية، بل اتسعت الدائرة لتشمل التاريخ الاجتماعي للشعوب.
الفكرة من كتاب نبوءة آمون: موجز تاريخ الإنترنت
لا تخلو الحياةُ اليوم من ظهور ابتكارات تجعل الحياة أكثر سهولة وتربطها بشكل أكبر بالإنترنت، فأنت أصبحت تُفضل التسوق عن طريق الصفحات والتطبيقات بدلًا من النزول من منزلك لفعل هذا الأمر مُتَحَجِّجًا بتَوفير الوقت، ولكنك في الوقت نفسه تقضي وقتًا طويلًا على وسائل التواصل الاجتماعي، فما الذي اختلف إذًا؟
الإجابة عن هذا الأمر مرتبطة بالإنترنت والتغييرات التي سببها منذ ظهوره، لهذا يأتي هذا الكتاب ليقدم إليك ملخصًا سريعًا للاختراعات الفاصلة التي غيرت حياتنا، ومن ضمنها الإنترنت وأثره في تغيير المنظومة التي يُدار بها العالم، كما يوضح الأضرار الناتجة عن وسائل التواصل وما أحدثته في نفوس البشر، وهل تتجسس علينا هذه المواقع حقًّا، مما قد يجعلنا نُضْطَرّ إلى العودة إلى استخدام الرسائل البريدية بدلًا من هذه الوسائل وإن كانت أبطأ من الإنترنت؟
الآن كن مستعدًّا لمعرفة كل هذا وأكثر من خلال ملخص تاريخ الإنترنت.
مؤلف كتاب نبوءة آمون: موجز تاريخ الإنترنت
خالد الغمري: أستاذ مساعد اللُّغويات الحاسوبية بكلية الألسن بجامعة عين شمس، حاصل على الدكتوراه من جامعة إنديانا بالولايات المتحدة الأمريكية، شارك في تأسيس “مرصد المحتوى العربي على شبكة الإنترنت” التابع لـ”مؤسسة الفِكر العربي”، و”منتدى وسط غرب أمريكا للغويات الحاسوبية”.
له عدد من المقالات نُشرَت بجريدة الأهرام، تناولت الحديث عن الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وتكنولوجيا المعلومات، وأثرها في الثقافة والمعرفة والمجتمع والسياسة، كما قدم عديدًا من الأبحاث حول المعالجة الآلية للغة العربية والمحتوى الرقْمي العربي، وألّف كتاب “برج مغيزل: مواقع التواصل الشخصي”.

