الأزهر بين عصرين.. الإمام بين التعلم والإصلاح
الأزهر بين عصرين.. الإمام بين التعلم والإصلاح
نشأ الجامع الأزهر بمنهجية تضع العلوم الدينية أولوية للتعليم، وترى العلوم الدنيوية وعلوم الآلة فرض كفاية للمسلمين، وأئمة آخرون رأوا هذا المنهج سببًا للضعف والفساد الضارب في الأمة، ويستشهدون بالأئمة الكبار في تنوُّع معارفهم بين الدنيا والدين، والاجتهاد في كل ما فيه منفعة وقوة للإسلام، لكن في العادة كانت تلك العلوم مُحاطة دائمًا بالرقابة والتربُّص للاشتباه بينها وبين علوم أخرى كالتنجيم والخيمياء المحرمَّين قطعًا، وكانت هذه المنهجية تتغيَّر وتتبدَّل من إمام إلى آخر.
ومن المعروف أن بعض شيوخ الجامع لم يجدوا حرجًا في دراسة بعض هذه المقرَّرات ورأوها ملكًا أصيلًا للأمة ولا تنفصل عن مجمل تراثها، وقد أخذت هذه الحركة في الاحتشاد والتراكم على مدى عقود، حتى إذا سنحت الفرصة بأخذ هذه العلوم من منابعها في أوروبا، لم يتخلَّف أحد منهم عن هذه البعثات ليظهروا نبوغهم ويعودوا لينبِّهوا أقوامهم مرة أخرى إلى ما فوَّتوه وتركوه لعدوِّهم، كانت تلك حال الأزهر حين وصل الشاب محمد عبده إلى القاهرة، فوجد نفسه على مفترق الطرق مرة أخرى، ولكن أيضًا هذه المرة وجد العون.
التقى الشاب محمد عبده السيد جمال الدين الأفغاني أثناء وجوده الأخير في مصر، فوجد كلٌّ منهما في الآخر بغيته، ودرس محمد عبده على يديه تلك العلوم المغضوب عليها في الأزهر، وأخذ منه طريقته وشاركه في دعوته إلى إصلاح الأمة الإسلامية، واستمرت علاقتهما في مصر طوال مكوث جمال الدين الذي انتهى بنفيه بعد مشاركته في الانقلاب على الخديوي إسماعيل، وقد تردَّد محمد عبده عن مذهب أستاذه بعد ما رأى فعل السياسة في الناس، ثم عندما عاد الشيخ محمد عبده إلى مصر قرَّر أن يتبع طريقته في الإصلاح بالتعليم والتربية، ولكن لم تُتَح له هذه الفرصة، فقد أصبح مُحاطًا بالمحاذير بعد علاقته بجمال الدين ورابطته بالثورة العرابية، ولذلك أُسند إليه منصب في القضاء، ليكون بعيدًا عما يُتقنه ويقدر على تغييره.
الفكرة من كتاب عبقري الإصلاح.. محمد عبده
الأستاذ محمد عبده الإمام المُجدِّد والأديب المُصلح، هو من تلك الشخصيات التي تترك أثرها أينما ذهبت، وتصبغ زمنها بطبيعتها ولا يعود المجتمع بعدها كما كان قبلها، شاء الله أن يُعاصر الإمام محمد عبده عصر السياسة في تاريخ مصر الحديث، وأن يستشف الخفي منها في بواكير حياته، حتى ينفر منها كليةً، ويدخل إلى ميدان آخر سيشهد على أثره، ويؤدي فيه الإمام ما عليه لدينه ودنياه، هنا يركِّز الأستاذ العقاد بشدة على أحوال العصر الذي كان فيه الإمام، ليوضِّح العواقب التي اضطر إلى مجابهتها، والفارق الذي أحدثه فيه بحركته ونشاطه.
مؤلف كتاب عبقري الإصلاح.. محمد عبده
عباس محمود العقاد: وُلد في أسوان عام 1889 م، ونشأ في أسرة فقيرة، فلم يتعدَّ في تعليمه المرحلة الابتدائية، ولكنه اعتمد على ذكائه في تكوين ثقافة موسوعية، وتعلَّم اللغة الإنجليزية في طفولته من مخالطته الأجانب الزائرين لأسوان.
اشتغل بالسياسة في فترة من حياته، وانتُخِب كنائب للبرلمان ثم سجن تسعة أشهر بتهمة “العيب في الذات الملكية”، عُرِفَت عنه معاركه الأدبية مع كبار مفكري عصره مثل: الرافعي وطه حسين، وقد أسَّس مع عبدالقادر المازني وعبدالرحمن شكري “مدرسة الديوان” الشعرية.
للعقاد العديد من المؤلفات والدواوين الشعرية نذكر أهمها:
سلسلة العبقريات.
كتاب “ساعات بين الكتب”.
كتاب “التفكير فريضة إسلامية”.
ديوان “أعاصير مغرب”.
ديوان “عابر سبيل”.