الأزمة وجذورها وسبل حلها
الأزمة وجذورها وسبل حلها
إن لبَّ الأزمة التي تعيشها الأمة الإسلامية هي التخلُّف الحضاري والهوان السياسي والمعاناة الإنسانية التي أصابتها، وفهم أسباب القصور والتدهور الحضاري الذي تعانيه الأمة يتطلَّب نظرة شمولية تحليلية عميقة في كيان الأمة وخطوط مسارها. وفي الحقيقة إذا أردنا أن نتتبَّع أسباب هذا الضعف في تاريخنا، سنجد أن هذه الأمراض والآفات بدأت تدبُّ في كيان الأمة بعد عصر صدر الإسلام الأول، ووُلِدَت في النهاية الفتنة الكبرى وقضت على دولة الخلافة الراشدة، الأمر الذي أدى إلى ظهور دول ذات نعرات قبلية وعرقية وذيوع المذهبيات الشعوبية والعنصرية والقومية والإلحادية والفوضوية والإباحية.
هذه الأزمة إنما ترجع إلى سببين رئيسين أولهما تغيُّر القاعدة السياسية التي ارتكزت إليها القيادة والخلافة الإسلامية الراشدة من الأصحاب وكوادر الأصحاب إلى الأعراب بما كانوا عليه في ذلك الوقت من عصبية وجهالة، وثانيهما الفصام بين القيادة الفكرية الإسلامية والقيادة السياسية الاجتماعية الذي مثَّل التربة الخصبة لأمراض الأمة اللاحقة.
والمنطلقات والبدائل المعاصرة والمعروضة أمام الأمة للخروج من الأزمة تنحصر في حلول رئيسة ثلاثة، هي: الحل الأجنبي الدخيل، وهو يمثِّل مجموعة الحلول المستوردة جوهريًّا من التجربة الغربية المادية الحديثة (الرأسمالية والماركسية)، وهذا النمط في الإصلاح هو المسيطر على حركات الإصلاح في العالم الإسلامي منذ القرن الثامن عشر، إلا أن جميع هذه الحركات باءت بالفشل، ولعلَّ أقرب مثال على ذلك محاولات الإصلاح في الدولة العثمانية، وما آلت إليه من الانهيار.
والحل التقليدي التاريخي الإسلامي، ويتمثَّل في الإصرار على إعادة الصور المادية التاريخية للمجتمع الإسلامي في عصره الذهبي الأول، ولكن دون وعي بدلالات الصور التاريخية أو التغيُّرات المادية التي حدثت، مما يفسِّر فشل هذا المنطلق في استنقاذ الأمة وفي السيطرة على توجيه دفَّة الأمور فيها رغم أن الأمة تدين دين الإسلام، وتمتدُّ جذوره في تاريخها.
والحل الإسلامي المعاصر يُبنَى على العقائد والقيم والنوازع الإسلامية، مع إدراك أبعاد الزمان والمكان والتغيُّرات الكمية والنوعية التي طرأت على الحياة البشرية، حتى تأتي الحلول والسياسات والتصوُّرات الإسلامية المعاصرة معبِّرة، بل مطابقة لاحتياجات واقع الأمة ومطابقة مستجيبة لما تواجهه من تحديات حقيقية.
الفكرة من كتاب أزمة العقل المسلم
إن الأزمة التي تمر بها الأمة الإسلامية أزمة عميقة ومتشعِّبة، ولفهم هذه الأزمة كي يتم التعامل معها بشكل صحيح للقضاء عليها ينبغي معرفة أسبابها وبذل الجهد المطلوب للتخلُّص منها ثم تصحيح أوجه القصور والضعف وإعادة توجيه الأمة إلى المسار الصحيح الذي يضمن مستقبل الإنسانية كافة وليس الأمة الإسلامية فقط.
في هذا الكتاب يعرض الكاتب أزمة الأمة الإسلامية والعقل المسلم المعاصر، ويضعها موضع الفحص الدقيق المكثَّف ليبيِّن لنا جذور الأزمة ومسبِّباتها، ثم يقترح الحلول التي ينبغي أن تُتخذ للخروج من هذه الأزمة وتصحيح مسار الأمة والقضاء على الأمراض والشوائب التي حلَّت بها.
مؤلف كتاب أزمة العقل المسلم
عبد الحميد أبو سليمان: مؤسِّس المعهد العالمي للفكر الإسلامي والمدير العام الأسبق للمعهد العالمي للفكر الإسلامي، والرئيس المؤسس لمؤسسة تنمية الطفل، والمؤسس والرئيس الأسبق لجمعية علماء الاجتماعيات المسلمين بالولايات المتحدة الأمريكية وكندا، ومؤسس ورئيس تحرير سابق للمجلة الأمريكية للعلوم الاجتماعية الإسلامية، وُلِد بمكة المكرمة عام 1936م، وحصل على بكالوريوس التجارة في قسم العلوم السياسية من كلية التجارة بجامعة القاهرة، ثم حصل على درجة الماجستير في العلوم السياسية من الكلية نفسها، وحصل على درجة الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة بنسلفانيا بفيلادلفيا في الولايات المتحدة.
له العديد من المؤلفات والكتب منها: نظرية الإسلام الاقتصادية: الفلسفة والوسائل المعاصرة، والسياسة البريطانية في عدن والمحميات ما بين عام 1799 وعام 1961م، والنظرية الإسلامية للعلاقات الدولية: اتجاهات جديدة للفكر والمنهجية الإسلامية، وبالاشتراك إسلامية المعرفة: الخطة والإنجازات، والعنف وإدارة الصراع السياسي في الفكر الإسلامي بين المبدأ والخيار: رؤية إسلامية، وقضية ضرب المرأة وسيلة لحل الخلافات الزوجية!