الأراجوز
الأراجوز
في السابع من أكتوبر ٢٠١٩م تُوُفِّيَ شيخ أراجوزية مصر «العم صابر المصري» بعد أن رسم الضَّحْكَات على وجوه الناس لما يزيد على خمسين عامًا، وكان «العم صابر» من الأعضاء المؤسسين لفرقة «ومضة» التي ترعى التراث الشعبي المصري وتقدم عروض الأراجوز وخيال الظل، وهو ملهم هذه الفرقة ومرشدها، فقدم باسمها مئات الورش التدريبية داخل مصر وخارجها، وكان الفنان «محمود شكوكو» أول من تأثر به «العم صابر» وهو من ألهمه للانطلاق في هذا الفن الذي رافقه طوال حياته.
أما عن نشأة الأراجوز ففيها أقوال متعددة، إذ يرجعها الباحث الفرنسي «تشارلز مانيان | Charles Magnin» في كتابه «تاريخ الماريونيت | Histoire générale des marionnettes» إلى العصر الفرعوني، ويذكر أنها كانت آنذاك وسيلة غير مباشرة لمخاطبة الملوك، والبعض يذهب إلى أن الأراجوز صيني الأصل أو هندي، وقد وصل إلى مصر عبر بلاد فارس، وهناك من يراه تركي الأصل وأن تسمية أراجوز مشتقة من كلمة «قرقوز»، تلك الشخصية المحورية في خيال الظل التركي، وهو الرأي الذي نفاه الباحث المصري «نبيل بهجت» في كتابه «الأراجوز المصري»، عندما أكد أن فن خيال الظل هو الذي انتقل من مصر إلى تركيا، أما الرأي الأخير فيرجع كلمة أراجوز إلى اسم الوزير «بهاء الدين قراقوش» الذي عُرِف بظلمه وطغيانه، وكانت وظيفة الأراجوز هي التنفيس عن غضب الناس من ظلم الحاكم من خلال سخرية الأراجوز وهزله وإشاراته الذكية إلى مساوئ حكم قراقوش، وتدعم هذا الرأي افتتاحيات العم صابر لعروضه دائمًا بعبارة: “أنا الأراجوز ابن الملك قراقوش”.
وبصرف النظر عن أصل التسمية، فقد برع المصريون في هذا الفن وجعلوا من الأراجوز ساخرًا حكّاءً يروي سيرة اجتماعية وسياسية بطريقة هزلية ترسم البسمة على وجوه الحاضرين دون أن يرى الناس وجه صاحب الأراجوز، ومع بزوغ نجم أول العروض السينمائية في القاهرة والمحافظات الكبرى، انصرف الناس عن الأراجوز ومسرح العرائس منبهرين بالشاشة الكبيرة، واندثرت مهنة الأراجوز تدريجيًّا، فبدأت تقتصر على القرى الصغيرة والأحياء الشعبية، ثم تباعدت فترات إقامة عروض الأراجوز ومسرح العرائس، فاقتصرت على الاحتفالات والموالد، وفي الوقت الحالي يمكن اعتبار مهنة الأراجوزاتي من التاريخ.
الفكرة من كتاب حاجات قديمة للبيع
مهما كُتب عن التراث المصري ومخزونه الثقافي والشعبي فلن يُعبِّر المنتمون إلى ثقافات مختلفة عنه مثلما تفعل الكتابة المحلية، ومن هنا تأتي أهمية القراءة عن مجتمع ما وفهمه من منظور شخصي، فهي القراءة الأجدر بالوصول إلى من يبحث عن خيوط الحكايات التي نسجت التراث الشعبي، وهذا الكتاب بمنزلة رحلة بين مهن للمصريين أصبحت الآن مجرد لمحات من الماضي، خَفَتَت أهميتها مع ذهاب زمانها ومعاصريها، واستحداث مهن وأعمال ومتع جديدة تلائم تغير الزمان، سنطلع على بعض هذه المهن وطبيعة نشأتها وأهميتها وكيف اختفت أو أضحت على وشك الاختفاء.
مؤلف كتاب حاجات قديمة للبيع
منى عبد الوهاب: ولدت في عام ١٩٩٨م، وتخرجت في قسم اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب، تعمل حاليًّا مسؤولة العلاقات العامة والإعلام بمؤسسة مزيج الثقافية، وهي مقدمة البرنامج الثقافي «سين وميم»، وتدور اهتماماتها في فلك موضوعات الأدب وتاريخ الشارع المصري وقضايا المرأة في المجتمع.