الأديان السماوية والطفولة
الأديان السماوية والطفولة
كيف أثرت الأديان الكبرى (الإسلام والمسيحية واليهودية) في تعريف الطفولة وتحولها من شكلها في المجتمعات الكلاسيكية إلى شكل آخر؟
لقد رأينا تجليات لبعض الديانات كالهندوسية والكنفوشية على الطفولة وتعريفاتها وحقوقها وواجباتها في المجتمعات الكلاسيكية، بل وتأثيرات في البالغين أيضًا كثقافة عامة، إلا أنه بعد انهيار الإمبراطوريات الحضارية الكبرى الثلاث السابق ذكرها، نتيجة لحملات الأديان التبشيرية وغيرها من العوامل، تغيرت الطفولة وبدأت تأخذ شكلًا آخر أكثر انضباطًا وآدمية بل وقدسية.
بداية، بدأت المجتمعات البشرية تأخذ الشكل القريب مما هي عليه اليوم من تقسيمات وحدود ودول وما إلى ذلك، ونمت التجارة التي ساعدت على التنقل من البلدان المختلفة وإليها، ومن ثم نقل الدين والثقافة معها، ولما جاءت الأديان الثلاثة كان بينها قدر مشترك من تعظيم الإله، الذي نص على تعظيم حقوق الوالدين والتأكيد على أمر البر والطاعة، ومن جهة أخرى تعظيم النفس الإنسانية التي خلقها الإله، وإن كان مجرد طفل صغير لا يدرك شيئًا مما يدور حوله، كان ذلك رادعًا كافيًا لعمليات القتل المتعمد التي كانت منتشرة في المجتمعات القديمة، وانتشرت القوانين التي تحمي الأطفال وجاء الإسلام بتحريم الوأد الذي كان منتشرًا بين العرب، كما اهتمت الأديان أيضًا بأمر التعلم والتعليم المكفول لجميع طبقات المجتمع خصوصًا التعليم الديني، وكان هذا واضحًا وجليًّا خصوصًا في الشريعة الإسلامية، كما نصت على مبدأ المساواة بين الجنسين في التكاليف والجزاء مع اختلاف نوعية التكاليف الموكلة لكل منهما، واعتنى الإسلام أيضًا بأحكام الطفل المولود منذ ولادته وأحكام الرضاعة والميراث،كما قنن التأديب وجعل له ضوابط وحدودًا معينة تحافظ على الكرامة الإنسانية، ليس ذلك فحسب بل ونص على قوانين اليتامى وحقوق الأطفال بعد الطلاق، ورغّب في الزواج ومنع التبتل والرهبنة بخلاف الأديان الأخرى.
بقي أن نتحدث هنا عن البوذية بوصفها ديانة وضعية واسعة الانتشار، وعن بعض تجلياتها على الطفولة، على الرغم من أنه ليس لها كتاب واضح ومحدد يُرجع إليه كالإسلام مثلًا، ونذكر أن من آثارها في الطفولة أنها كانت في البداية بحكم تقشفها وزهدها، ترى أن ولادة الطفل فعل ملوث يشغل عن التبتل والعبادة، ثم لما توسعت واعتنقها عدد كبير من الناس مع أسرهم، رأت أن الأطفال يمكن أن يتعلموا فيشكلوا جزءًا من المنظومة البوذية، فصعنت لهم مجموعة من الشعائر وأدرجتهم في المنظومة الدينية.
الفكرة من كتاب الطفولة في التاريخ العالمي
يبدو أن الطفولة مرت بمراحل عدة حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم، وفهمنا لهذه المراحل يجعلنا نحن العرب ننظر إلى التاريخ بشكل مختلف، وندرك كيف أثرت فينا تلك المراحل سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، من مراحل الصيد إلى الزراعة وحتى وصلنا إلى النموذج الحديث ذي الحدين، فكما أنه حمانا من مساوئ النماذج السابقة إلا أنه أتى معه بتحديات ومشكلات أخرى جديدة، إذًا هل نرفضه ولا نتبناه؟ ليس بشكل مباشر، وإنما علينا أن ننظر بموضوعية ونرى ما الذي يتفق معنا ومع بيئاتنا، وما الذي نستطيع تقويمه وتعديله للانتفاع به. لنلق نظرة إذًا..
مؤلف كتاب الطفولة في التاريخ العالمي
بيتر ن. ستيرنز، عمل في جامعة جورج ميسن، ونتيجة لخبرته الطويلة في التدريس تولى رئاسة الجامعة، حصل على الدكتوراه من هارفارد، وأسس مجلة التاريخ الاجتماعي وتولى تحريرها، وألف وحرر ما يقارب ١٠٠ كتاب وزيادة.
معلومات عن المترجم:
وفيق فائق كريشات، حاصل على إجازة في اللغة الإنجليزية وآدابها، من جامعة تشرين، ترجم مجموعة من الكتب منها:
بذور الكلام: أصل اللغة وتطورها.
الفلسفة الشرقية.
رحلة الرجل: ملحمة وراثية.