الأدوات غير المباشرة للترجمة في عصر محمد علي
الأدوات غير المباشرة للترجمة في عصر محمد علي
لكن إلى أي الدول الأوروبية اتجه محمد علي عند النقل؟ كانت دول أوروبا صاحبة الصدارة في العصور الوسطى المتأخرة، ومطلع العصر الحديث هي: إنجلترا، وفرنسا، وإيطاليا، لكن بالنسبة لإنجلترا فمع انتهاء الحملة الصليبية انقطعت العلاقات بين مصر وإنجلترا، وبالنسبة لفرنسا فقد حاولت مرات عدة احتلال مصر بعد تجلِّي أهمية الطريق البري القديم، واستعماله للوصول إلى الهند، وانتهت هذه المحاولات بإخراج الفرنسيين من مصر، فبعدَ محمد علي عن هاتين الدولتين، واتجه إلى إيطاليا بسبب العلاقات القوية بينهما، وزيادة عدد الجاليات في مصر والشام، وشيوع اللغة الإيطالية.
ومع بداية سياسة محمد علي الإصلاحية أنشأ المدارس الحربية الأولى لتعليم أولاد المماليك وغلمانهم بالقلعة، وكانت اللغة الإيطالية هي اللغة التي تُدرس في هذه المدارس، وأرسل محمد علي أيضًا بعثات إلى إيطاليا، فكانت المدارس الحديثة والبعثات من أهم أركان الإصلاح الجديد، واستمر هذا التشييد حتى نهاية عهد محمد علي.
وعندما بدأ بإنشاء جيشه الجديد، كان من الضروري أن يُلحِق عددًا من الأطباء بكل فرق الجيش، وأن تُنشأ لهذه الفرق المستشفيات الثابتة والمتنقِّلة، اقتداءً بالجيوش الأوروبية التي ينقل عنها، واستعان في بداية الأمر بأدعياء الطب من الأجانب، لكنه عمل على إحلال المصريين محلهم، وأنشأ مدرسة إلى جانب مستشفى الجيش بأبو زعبل، وكانت هيئة التدريس في المدرسة تتكوَّن من أساتذة فرنسيين وإيطاليين، وكانوا جميعًا لا يعرفون العربية، فتم تعيين عدد من المترجمين لينقلوا الدروس عن الأساتذة للطلاب، لكن مع الأسف كانت النتيجة سيئة، وتأخَّر الطلاب بشكل ملحوظ، لكن سرعان ما عُولجت هذه الطريقة في التعليم، فتم تكليف المترجمين بترجمة الكتب الطبية إلى اللغة العربية، وألحق بعضهم بالمدرسة حتى يسهل عليهم بعد ذلك معرفة المصطلحات، وفهم المواد التي ينقلونها عن الأساتذة للتلاميذ، وأنشأ أيضًا لتلاميذ الطب مدرسة لتعليمهم اللغات، وتم إرسال أوائل الخريجين في بعثات طبية في فرنسا، وبعد عودتهم قاموا بترجمة الكتب التي يختارها لهم أعضاء مجلس المدرسة إلى جانب اشتغالهم معيدين ومساعدين للأساتذة الأجانب، لكن ظلت إدارة المدرسة حتى نهاية عهد محمد علي يتولاها الأجانب، ومن ثم أنشئت مدرسة الصيدلة، ومدرسة الولادة، والطب البيطري، ومن ثم أنشئت المدارس الفنية؛ كالمدارس الزراعية والصناعية والهندسية، والمدارس البحرية والحربية.
الفكرة من كتاب تاريخ الترجمة والحركة الثقافية في عصر محمد علي
لعبَت الترجمة دورًا مهمًّا في بناء الدولة المصرية الحديثة؛ إذ أدرك “محمد علي باشا” أنه لا يمكن النهوضُ بالدولة دون التعرُّف على مُنجَزات الحضارات الأخرى، والاستفادةِ مما أحرزَته في مضمار التقدُّم والرُّقي؛ لذا اهتمَّ «محمد علي باشا» بالترجمة، واعتبرها ركيزةً أساسيةً لبناء دولته، ومن خلال صفحات هذا الكتاب ستتعرَّف إلى أي الدول الأوروبية اتجه محمد علي عند النقل؟ ومتى بدأ سياسته الإصلاحية، وما أغراض بعثاته العلمية؟ كما ستجد أيضًا تتبُّعًا تفصيليًّا لحركة الترجمة في هذا العصر، بدايةً من إعداد المترجمين، وانتهاءً بمرحلة الطباعة والنشر.
مؤلف كتاب تاريخ الترجمة والحركة الثقافية في عصر محمد علي
جمال الدين الشيال: مؤرخ مصري، ورائدٌ مِن روَّادِ الدراساتِ التاريخية، وعَلَمٌ من أَعْلامِ الفِكرِ العربي، حصل على الدكتوراه في التاريخ من كلية الآداب، وعُيِّن أستاذًا للتاريخ الإسلامي المساعد بجامعة فاروق الأول، وترَكَ لنا الشيالُ العديدَ مِنَ المُؤلَّفاتِ والأبحاثِ والدراساتِ المهمَّة، مِنْها:
تاريخ دمياط.
تاريخ الإسكندرية في العصر الإسلامي.
مجموعة الوثائق الفاطمية.
مصر والشام.