الأدبُ المُترجم
الأدبُ المُترجم
تأتي الصِّياغة في المرحلة التالية المؤثرة لفهم المصطلح وترجمته، وتختلف بين الصياغة العلميّة التي تُعنى بالمعنى أكثر من الأسلوب، والصياغة الأدبيّة التي تعتني كثيرًا بالصياغة مُترابطةً مع المعنى، وعلى الرغم من القاعدة العامة للترجمة في الأمانة والالتزام بما ورد في النص المُترجم، فإن أشكل المعنى فهذا خطأٌ من الكاتب، لكن إن أشكلت الصياغة وتلحفّها الغموض فهذه مسؤولية المترجم وخطؤه.
إن الأدب في اللغة العربيّة مقسوم إلى نوعين؛ الشعر والنثر، عكس الأدب الإنجليزيّ الذي ينوّع بين الأدب الملحميّ، والمسرحيّ، والقصصي، والغنائيّ، وعندما يُقدم المترجم على ترجمة النصّ الأدبيّ عليه أن يضع في الاعتبار اختلاف الخصائص بين اللغتين، وإبرازها بشكلٍ دقيق، وتختلف مذاهب الترجمة الأدبيّة بين ثلاثة مذاهب؛ الأوّل هو النقل الحرفي للألفاظ في سياقها، والثاني هو نقل المعاني فقط، والثالث هو إعادة السبك والصياغة، أو بعبارة أخرى المُحاكاة للنص الأدبيّ المُترجم وهو الأسلوب الذي يفضله الكاتب، وقد أورد الكاتب نموذجًا بديعًا بين طريقته وطريقة عبد القادر المازنيّ في ترجمة قصيدة شكسبير الشهيرة:
Take, O take those lips away
That so sweetly were foresworn
And those eyes, the break of the day,
Lights that do mislead the morn;
But my kisses bring again,
Bring again!
Seals of love but sealed in vain,
Sealed in vain
فترجمها المازني على بحر الخفيف قائلًا:
ابعدوا عنّي الشفاه اللوّاتي كُنّ يُطفئن من أوار الصادي
وابعدوا عنّي العيون اللواتي هنّ فجرٌ يُضل صبح العبادِ
واستردّوا إن استطعتم مَردًّا قُبلاتي من الخدود النوادي.
وترجمها الكاتب على بحر المُتقارب قائلًا:
إليكُنّ عني فتلك الشفاه
عذوبتها حنثت باليمين
وتلك العيون ضياٌء مُبين
وفجرٌ يُضلِّ مسير الصباح
ولكن أعيدوا إليّ القُبَل
اعيدوا الرُّواء
طوابعَ حب طواها الأجل
وضاعت هباء!
ومن هذا المُنطلق أثبت الكاتب أنّ المُترجم الصادق هو الأديب الصادق.
الفكرة من كتاب فنّ الترجمة
هذا الكِتاب هو عرضٌ لبعض القضايا المُتعلّقة بفنّ الترجمة، والمذاهب المُتّبعة في أبوابها، وهو موجهٌ بشكلٍ رئيس للمُبتدئين في هذا المجال، وهُم المُحيطون إحاطة مقبولة باللغتين العربيّة والإنجليزيّة، لكن تنقصهم الخِبرة الكافية للجمع بين نقل المعنى الذي أراده الكاتب بدِّقة من غير إنقاص أو تركيك، وقد ركّز الكاتب على المشكلات الشائعة التي يقع فيها أغلب المُترجمين بناءً على خبرته الطويلة في هذا المجال، وبسبب قناعة الكاتب أن التطبيق أجدى من النظريات المُجرّدة، فقد تعامل مع الترجمة على أنها في أصلها فنٌّ تطبيقيّ،
يحتاجُ إلى المِران والمُمارسة حتى يصل المُترجم إلى المستوى المنشود الذي يليق بهذا الفنّ، ولا يُوجد طريق مختصرٌ لحصولِ ذلك، والتطوّر الحاصل في الحياة الثقافيّة يؤثّر بدوره في اللغة وتركيبها مما يؤثر في الترجمة بالتبعيّة، إذ ليس على الترجمة سيّد، والمترجم غارق في الكثير من المُشكلات التي يواجهها في عمليّة الترجمة، لذا وُجِّه هذا الكتاب حتى يكون أول الخيط في سبيل توجيه المُترجم إلى الحلول العمليّة.
مؤلف كتاب فنّ الترجمة
محمد العناني: كاتب مسرحي وأديب وناقد ومُترجم مصريّ، وُلِد عام 1939م، بمدينة رشيد محافظة البحيرة، حصل على شهادة البكالوريوس في اللغة الإنجليزيّة وآدابها من جامعة القاهرة عام 1959م، التي عَمِل فيما بعد مُحاضرًا بها بعد حصوله على شهادة الدكتوراه، كما حصل على شهادة الماجستير من جامعة لندن عام 1970م، ثم حصل على شهادة الدكتوراه من جامعة ريدنج عام 1975م. لُّقِّبَ بعميد المُترجمين، ورأس قسم اللغة الإنجليزيّة بجامعة القاهرة لستّة أعوام، لهُ العديد من الكتب المُترجمة والمؤلفات الإبداعية، والنقديّة منها: الترجمة الأدبيّة بين النقد والتحليل، والترجمة الأسلوبيّة.