الأداء في الواجهة وخلف الكواليس
الأداء في الواجهة وخلف الكواليس
في حال أخذنا أداءً معينًا بوصفه نقطة مرجعية يمكننا أن نُسمِّيَ المكان الذي يُقدَّم فيه باسم “الواجهة”، فيحاول الفرد في هذه المنطقة أن يُظهر نشاطه بالالتزام بقواعد معينة ويُجسدها، وتنقسم تلك القواعد مجموعتين، الأولى تتعلق بالطريقة التي يعامل بها المؤدِّي الجمهور في أثناء انهماكه بالتواصل معهم، والثانية هي القواعد التي لها علاقة بالطريقة التي يتصرَّف بها المؤدِّي وهو تحت سمع الجمهور وبصره دون أن يكون منخرطًا معهم في الحديث، وتعرف هذه المجموعة من القواعد “باللياقة”، وتنقسم فئتين، مقتضيات أخلاقية وهي غايات تتمثل في قواعد تتعلق بعدم التعرض للآخرين أو التحرش بهم، واحترام القواعد الخاصة بالأماكن، ومقتضيات أداتية تشير إلى واجبات يطلبها رب العمل من عماله، كالعناية بالممتلكات والحفاظ على مستوى الإنتاج.
ومن أشكال اللياقة التي درست في المؤسسات الاجتماعية ما يسمى “التظاهر بالعمل”، ففي كثير من المؤسسات يطلب من العمال أن يكونوا مستعدين دائمًا لإعطاء الانطباع بأنهم يعملون بجد، ولا يفصل التظاهر بالعمل عن احترام معايير العمل الأخرى كالدقة والاهتمام الشخصي سوى شعرة واحدة، كما لا يفصل احترام معايير العمل عن احترام جوانب اللياقة الأخلاقية والأداتية المتمثلة في الالتزام بنوع معين من اللباس ودرجات صوت معينة سوى شعرة واحدة أيضًا، ومن ثمَّ عندما يركز المرء في التعبير على بعض الجوانب ويظهرها للواجهة، فإنه بطريقة أخرى يكبت ويُخفي جوانب أخرى من نشاطه في منطقة يمكن أن نسميها منطقة “الكواليس”، وهي تلك المنطقة التي تظهر فيها الحقائق المكبوتة في نفس المؤدِّي ولا يمكن لأحد من الجمهور الدخول فيها.
وتُعد منطقة الكواليس المكان الذي يتصرف فيه المؤدِّي خارج الشخصية التي يقدمها إلى الجمهور، ومن ثم فإن الممر الواصل بين منطقة الواجهة ومنطقة الكواليس من الطبيعي أن يكون مغلقًا أمام الجمهور ومخفيًّا عنهم، ومن ثمَّ فإن التحكم في منطقة الكواليس يلعب دورًا مهمًّا في التحكم في الأداء، ومثال ذلك الأشخاص أصحاب الهيبة والمكانة الذين يبلغون درجة من القداسة عند جمهور معين، فهم لا يظهرون للواجهة إلا في مراسم ووسط حاشية، ويعملون للحيلولة دون وجود جمهورهم في منطقة الكواليس، وهي الأماكن التي يرتاحون فيها حتى لا تُخدش مصداقية الصفات السحرية المنسوبة إليهم، بيد أن أكثر الأوقات إثارة في رصد إدراة انطباع المؤدِّي هي اللحظة التي يغادر فيها منطقة الكواليس إلى منطقة الواجهة، ليلتقي بالجمهور ثم يعود إلى منطقة الكواليس مرة أخرى، ففي هذه اللحظة نقف على المؤدِّي وهو يرتدي الشخصية ويخلعها.
الفكرة من كتاب تقديم الذات في الحياة اليومي
يُبين المؤلف في هذا الكتاب الطرائق والأساليب التي يُدير بها البشر صورهم وانطباعات الناس عنهم، واعتمد في بيان ذلك على مبادئ دراماتورجية خاصة بفن التأليف المسرحي، فالممثل وهو الطرف الأول على خشبة المسرح، يقدم نفسه في هيئة شخصية مسرحية ضمن طرف ثانٍ وهم الشخصيات المسرحية التي يقدمها ممثلون آخرون، ويُشكل الجمهور طرفًا ثالثًا في هذا التفاعل، وهو طرف أساسي، لكن في الأداء المسرحي الواقعي لا يكون الجمهور طرفًا في الأداء، إذ تُضغط الأدوار الثلاثة في دورين فقط يمثلهما المؤدِّي والآخرون الذين يشاركونه الأداء.
مؤلف كتاب تقديم الذات في الحياة اليومي
إرفنج غوفمان: هو عالم اجتماع وعالم نفس كندي، وأحد أكثر علماء الاجتماع تأثيرًا في القرن العشرين، شغل منصب الرئيس الثالث والسبعين للجمعية الأمريكية لعلم الاجتماع، وكان عضو هيئة التدريس بقسم علم النفس بجامعة كاليفورنيا وجامعة بركلي، من مؤلفاته:
ملاذات.. مقالات عن الوضع الاجتماعي للمرضى العقليين وغيرهم من النزلاء.
تحليل الإطار.
أشكال الكلام.
معلومات عن المترجم:
ثائر ديب: هو مترجم وطبيب سوري، تخرج في كلية تشرين بسوريا، ومتفرِّغ كليًّا للعمل في الترجمة والمجال الثقافي، شغل عضوية الهيئة الاستشارية لسلسة “ترجمان” الصادرة عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وعمل في الهيئة السورية للكتاب، وهو عضو جمعية الترجمة في اتحاد الكتاب العرب، من ترجماته:
فكرة الثقافة.
بؤس البنيوية.
العلاج النفسي بين الشرق والغرب.