الأخطار المختفية
الأخطار المختفية
ثار الجدل قديمًا بين علماء الاقتصاد وطبقة الملاك حول الهدف الذي ينبغي أن يسعى وراءه رؤساء مجالس الإدارات للشركات، حيث يعتمد المستثمرون على آلية الربح، لذلك تلهث المؤسسات الإنتاجية وراء تعظيم معدلات العائد على السهم، ولو اقتضى ذلك نقل عمليات التصنيع خارج البلاد، متغافلين بذلك هدف التنمية وتوفير فرص العمل وما يتبع ذلك من خلق الثروة الحقيقية وتوسيع القاعدة الإنتاجية للمنشأة، فمنذ حقبة التسعينيات تقريبًا، أضحى هاجس تحقيق معدلات عالية من الربح الأداة السحرية في الدعاية لرؤساء مجالس الإدارات لاستمالة المساهمين وطبقة الملاك من أجل الوصول أو الحفاظ على مراكزهم الإدارية، ولذلك بجانب رفع المعدلات الإنتاجية تلجأ الشركات إلى خفض التكلفة حتى تعظم الربح المحاسبي الناتج من الفرق بين الإيراد الكلي والتكلفة الكلية.
وعادةً ما تلجأ الشركات في سبيل تحقيق هذا الهدف إلى بعض المضاربات في سوق البورصة لرفع القيمة السوقية لأسهم الخزينة الخاصة بالشركة، وكذلك على مستوى الأنشطة التشغيلية تلجأ إلى تخفيض العمالة أو خفض المرتبات للقاعدة الكبيرة من العمال، بالإضافة إلى استخدام وسائل تكنولوجية أكثر تقدمًا لتعظيم القيمة الإنتاجية، ولا شك أن المحاولات المصطنعة لتعظيم عائد السهم بصورة غير معقولة عبر التدليس وخلط الأوراق بالغش في عمليات المحاسبة والحسابات المزيفة، واستخدام الروافع المالية والاستدانة غير المحسوبة من المؤسَّسات المصرفية المختلفة تنطوي على مخاطر عديدة لعل أبرزها يتضح في الفقاعات المنتشرة في أسواق المال، والتي عادةً ما تنفجر فتهوي بالجميع بدايةً من حملة الأسهم مرورًا بالموظفين، وليس انتهاءً بالمصارف والمؤسسات المالية المختلفة التي أقرضت تلك الشركات، بل قد يتطوَّر الوضع ليصبح أكثر سوءًا فيمتدُّ إلى باقي القطاعات الأخري بسبب التشابكات المالية المعقدة في أسواق المال.
الفكرة من كتاب الرأسمالية في طريقها لتدمير نفسها
لم تسلم الرأسمالية منذ نشأتها على مدى تاريخها من النكبات والأزمات الاقتصادية المتلاحقة، ومما صعَّب الأمر بروز قضية العولمة التي ربطت اقتصادات العالم بعضها ببعض، فإذا سعلت دولة بالمشرق أصابت نظيرتها بالزكام في المغرب، وليس أدل على ذلك من الواقع المعاصر وجائحة كوفيد 19 التي ما لبثت أن ظهرت في الصين حتى أصابت العالم أجمع بالشلل.
من هنا تأتي أهمية هذا الكتاب، إذ يلقي الضوء على ظاهرة العولمة وما يرتبط بها من تحديات وأخطار مستترة قد تفضي على حسب رأي البعض إلى بدء العد التنازلي لانهيار الرأسمالية المعاصرة.
مؤلف كتاب الرأسمالية في طريقها لتدمير نفسها
باتريك آرتو: أستاذ بكلية الهندسة، وأستاذ مشارك في جامعة باريس – بانتيون السوربون، ومدير البحوث الاقتصادية لمجموعة صندوق التوفير/الودائع، من مؤلفاته: نظرية النمو والتذبذبات، والأوضاع الشاذة في الأسواق المالية، والاقتصاد الجديد.
ماري بول فيرار: رئيسة تحرير مجلة أنجي ليزكو، من أعمالها: قصة أرباب العمل الكبار.