الأثر أثر العمل لا القول
الأثر أثر العمل لا القول
يتردَّد كثيرًا على ألسنة الناس اليوم، وبخاصةٍ الشباب منهم، تعبيرهم عن رغبتهم الجامحة في ترك أثر على ظهر هذه الأرض قبل مماتهم وإحداث تغيير في نفوس البشر أو معتقداتهم، وهذا وإن كثرت الدندنة حوله إلا أنه طبع ورغبة وشهوة في النفس فطرية لا ضرر منها إلا إن صُرِفت النية وتمركزت حولها وحدها، فأصبحت هم الإنسان الأول وشغله الشاغل، فإن لم يجدها ولم تتحقَّق ولم ير آثارًا لها أو مقدمات تباطأ سعيه وعمله وآل إلى التوقف.
نعم، هذا أمر فطري مقبول في إطاره الطبيعي، لكنه لا يتعدى كونه أمنياتٍ وأحلامًا عند الكثيرين، وشتَّان بين الأماني والعمل، إذ إنه لاينبغي للمرء أن يقف طويلًا عنده لأنه بهذا لن ينفع نفسه، فضلًا عن أن ينفع غيره، فميدان العمل هو ميدان التصفية الحقيقية، فيخرج منه مدعيًا العمل ويبقى الصادقون وأولئك هم الذين يبقى ذكرهم وأثرهم وإن لم يقصدوا ذلك.
ثم كم من أثر بقي وذكر حُفظ، يتمنى صاحبه لو علمه أنه لم يبقَ ولم يكن! تخيَّل معي حال قوم عاد أو قوم ثمود، أصحاب المباني الشاهقة والعمارة المهيبة، تخيَّل لو بعثوا فسمعوا ما قُصَّ من أخبارهم وآثارهم لاستغشوا ثيابهم وأداروا ظهورهم!
ثم ماذا ينفع الإنسان إن بقي أثره أو لم يبقَ؟
لا شيء ينفعه إلا عمله، عمله نفسه وليس أثر عمله، فهو مسؤول عن نفسه مسؤولية تامة، عما صدر منه من فعل أو قول، لذا كان من فطنته وكمال إيمانه أن يجعل الله سبحانه محل نظره الأول، فلا يقدم عليه أحدًا كائنًا من كان، وأن يكون رضاه مقدَّمًا على رضا غيره وهو مقصده الأول، وأما الأثر النافع والثناء الحسن فهذا محض فضل من الله يمنَّ به على من يشاء من عباده، إن كان في حياتهم فهذا من عاجل بشراهم وإن كان بعد مماتهم فهذا من شكره لهم.
الفكرة من كتاب مداواة النفوس وتهذيب الأخلاق
أصدق المعاني معانٍ ذاقها أصحابها بعد مرارة التجارب وتتابع الأيام وتراكم الخبرات ثم أخرجوها إلى الناس صادقة واضحة نافعة مصبوغة بصبغة الصفاء والعفوية والسهولة غرضهم فيها أن ينتفع أصحابها كما انتفعوا هم، لكنه مهما بلغ المعنى من الوضوح والجلاء والصحة أن يُستَوعَب إلا أن النفس تتوق إلى التجربة وخوض الحياة لتصنع تجربتها الخاصة وتستخرج معانيها هي، وليس الخبر كالمعاينة! وهذا ما سنتبينه في هذا الكتاب.
مؤلف كتاب مداواة النفوس وتهذيب الأخلاق
أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري، ولد بقرطبة لأب ترأَّس الوزارة أيام الدولة العامرية، ثم ترأَّس هو نفسه الوزارة أيام المستظهر بالله العامري، ثم أيام المعتد بالله وتركها ليتفرَّغ لعلوم الإسلام قبل أن يبلغ الثلاثين من عمره.
كان صاحب أسلوب وبلاغة وحجَّة، وكان يُعاب عليه اندفاعه وحدَّته في تناول آراء ومذاهب وأشخاص خصومه من علماء عصره.
ومن أبرز مؤلفاته:
الناسخ والمنسوخ.
الفصل في الملل والأهواء والنِّحل.
طوق الحمامة.
المفاضلة بين الصحابة.