الأتباع المؤمنون
الأتباع المؤمنون
حتى لو تبنَّت الحركات الجماهيرية اتجاهات متضادة فإن أتباعها لهم نفس السمات العقلية والنمط النفسي، فأحيانًا تتنوَّع طبيعة الحركة نفسها فتكون إما قومية مؤمنة بخصوصية عرقية أو تاريخية، أو اجتماعية ثورية على الأوضاع السائدة، أو تشريعية مسنَّة للقوانين، ولكن في كل حالاتها تحتاج إلى أتباع ما بين مثقفين ووسط وغوغاء يقدِّمون فروض الطاعة المطلقة، وإلى رمز للحركة وعدو متجسد.
الغوغاء يمثلون الشريحة الأكبر للحركة الجماهيرية، وهم بمثابة وقودها المحرِّك، وهم على عدة أصناف؛ الصنف الأول هم المنبوذون في الشؤون الاجتماعية والأنشطة الإنسانية، والصنف الثاني هم الفقراء ويوجد منهم من رضي بوضعه البائس بشدة لدرجة فقدانه القدرة على عدم الرضا والطمع في التغيير، وهناك على الجانب الآخر محدثو الفقر الذين لا تزال تراودهم طموحات وذكريات قريبة وهؤلاء أقرب إلى الحركات الجماهيرية.
الصنف الثالث هم العاجزون عن التأقلم، لم يجدوا مواقع شاغرة في المجتمع لأداء وظيفة ما، مثل المراهقين والعاطلين عن العمل والجنود المسرَّحين، والصنف الرابع هم الأفراد المتمتِّعون بأنانية مفرطة، والذين فشلوا في تحقيق طموحاتهم وإشباع تصوُّرهم الضخم عن الذات، فيصابون بخيبة أمل كبيرة تؤدي إلى فقدان الثقة بأنفسهم، وذلك ما يسعون لتعويضه عند الانضمام إلى الحركة الجماهيرية.
الصنف الخامس الطموحون الذين يواجهون خيارات وفرصًا غير محدودة، ولكنهم لا يشعرون أبدًا بالرضا بسبب مخاوف دائمة وشك مستمر بأن ما تركوه أو ما فاتهم أفضل مما يمتلكونه، والصنف السادس هو الأقليات بأنواعها سواء كانت دينية أم عرقية، يعصف بهم شعور مستمر بعدم الأمان المجتمعي والخوف على هويَّتهم من الذوبان في المجتمع، ومعاناتهم مع الغربة النفسية والاجتماعية.
الصنف السابع الملولون، وهم أفراد فقدوا معنى الأشياء بالكليَّة، وعاشوا حياة الآلة، وأصاب الملل واللامبالاة مشاعرهم بالتبلُّد، فيقفزون للبحث عما يشعل انفعالاتهم من جديد ليشعروا أنهم على قيد الحياة، وأخيرًا مرتكبو المعاصي والأخطاء غير المقبولة مجتمعيًّا، فالحركة تمثل له فرصة التطهير والخلاص يلوذ بالتعصُّب كملجأ آخير لشعوره بالذنب.
الفكرة من كتاب المؤمن الصادق (أفكار حول طبيعة الحركات الجماهيرية)
الحركات الجماهيرية هي منعشات لمجتمع مريض هزيل، وضرورة لخلق التغيير ومتابعة صيرورة التاريخ، ولكن يوجد على الجانب الآخر دائمًا الإرهاب أو التطرُّف، وهي ثنائية متوالدة كلٌّ من طرفيها يؤدي إلى الآخر، والنتيجة دائمًا ما تكون كارثية، فبين العنف والتدمير والسيطرة والسادية يتوه الأفراد ويفقدون ذواتهم، يصبحون عُزَّلًا أمام العالم الهائل ويشعرون بالعجز الشديد، ما يزيد من رغبتهم في الذوبان في كيان مقدس أو الانضمام إلى حركة جماهيرية، فما العوامل التي تجذبهم إلى الحركات الجماهيرية؟ ما الخصائص الأساسية التي تشترك فيها جميع الحركات الجماهيرية على اختلافها؟ من هم أفرادها، وما المبادئ التي يعتنقونها؟ وما المراحل المختلفة التي تمر بها وسمات كل مرحلة؟
مؤلف كتاب المؤمن الصادق (أفكار حول طبيعة الحركات الجماهيرية)
إريك هوفر: ولد الفيلسوف الأمريكي عام 1902م في نيويورك، عمل مزارعًا ثم منقِّبًا عن الذهب، وانتهى به الحال موظفًا بجامعة كاليفورنيا، له مؤلفات متعدِّدة في علم النفس الاجتماعي لدرجة أنه لُقِّب بفيلسوف الأخلاقيات الاجتماعية، ومن أشهرها كتابا: “المؤمن الصادق (أفكار حول طبيعة الحركات الجماهيرية)”، و”محنة التغيير”.
حصل على وسام الحرية الأمريكي عام 1983م وتُوفِّي بنفس العام، وأُسِّسَت جائزة باسمه في عام 2001م تكريمًا له.
معلومات عن المترجم:
غازي عبدالرحمن القصيبي: وُلِد الدكتور غازي القصيبي عام 1940 في الأحساء بالمملكة العربية السعودية، وهو أديب وسياسي ودبلوماسي سعودي شهير، عمل في عدة وظائف حكومية ودبلوماسية، وزيرًا للصحة والعمل، وسفيرًا للمملكة العربية السعودية في كلٍّ من بريطانيا والبحرين، حصل على شهادة الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة لندن، كما أن لديه عدة مساهمات أدبية عديدة في مجالي الرواية والشعر، أشهرها رواية “شقة الحرية”، وديوان شعر “للشهداء”.
كما أن له إسهامات صحافية متنوِّعة أشهرها سلسلة مقالات “عين على العاصفة”، والتي كُتِبَت في جريدة الشرق الأوسط إبان حرب الخليج الثانية.