الأب الصالح
الأب الصالح
كان والد المؤلف من الملازمين للمسجد ورغم أنه لم يكن من الموظفين فيه فقد كان يستغرق منه أكثر مما يستغرقه متجره من الزمن، فكان من يريد لقاءه لأمرٍ ما يتجه إلى المسجد أولًا فإن لم يجده يذهب إلى المتجر، وكان يبيع القماش فيه، وقد كان يقيس القماش ويلفه على المتر من الناحيتين ليتأكد أن المشتري قد استوفى حقه دون نقص، وكان إذا رغب في أن يختبر ابنه في أجزاء القرآن وهو ناشئ يصحبه إلى المسجد ليلقي على سمعه كتاب الله بعد أن يتوضأ، ومع أبوته وحنانه كان رجلًا مؤمنًا وأمينًا، فلا يبرح تفكيره أمر الله ونهيه، فيهتدي في كل حركة بما يعلم من قول الله وحديث رسوله (صلى الله عليه وسلم)، وقد أورثه ذلك مهابةً واعتزازًا لدى الناس في قريته فصار موضع حفظ أماناتهم، كما كان باب المنزل يفتح قبيل الفجر دائمًا حيث ينهض للصلاة، وكانت الوالدة تشجِّع ابنها على الذهاب معه صيفًا أو شتاءً وكانت قارئة حافظة لكتاب الله.
ويشير الكاتب إلى أن والده كان يكرم أبناء السبيل إذ كان المسجد مأوى لهم، فعند الغروب كانوا يجتمعون تحت المئذنة وفي الشتاء يوقدون النار، وإذا كان وقت طعام العشاء أرسله والده لهم بما يجود به الله وبعد صلاة الفجر كان يمر ببعض الغرباء فيصحبه إلى المنزل، كما كان والده يقرأ مع صديقٍ له المجلات الدينية كـ”نور الإسلام” و”التقوى” و”الإيمان”، أو الكتب ككتاب “محمد المثل الكامل”، ولما لاحظ والده حرص ابنه على الاستماع اختار له من الكتب ما يناسب عقله.
ولما التحق الكاتب بالأزهر الشريف زادت وثاقة صلته العلمية بوالده لأنه ملمٌّ بقواعد النحو تمامًا ودارس لكتب الفقه الشافعي فكان يقرأ معه في الصيف مقرر السنة التالية، هذا غير كونه مرجعًا لإفتاء الناس في شؤون العبادات والمواريث والطلاق، ما تطلَّب منه قراءة كتب كثيرة ليكون على قدر المسؤولية، كما أنه حفظ كتاب “شفاء الصدور في تفسير سورة النور” ليلقي على الناس منه دروسًا ليلية بالمسجد في رمضان.
الفكرة من كتاب ظلال من حياتي
كان الدكتور محمد رجب البيومي – رحمه الله – صورة واقعية للمثقف المعتز بتراثه، فقد حقق توازنًا كبيرًا بين دراسته الأكاديمية في الأزهر الشريف، وما أنتجه من شعر وقصة ودراسات أدبية؛ فقد كان واحدًا من جيل الرواد الذين أثروا الحياة الأدبية المعاصرة بالعديد من إبداعاتهم ومؤلفاتهم..
هذه سيرة ذاتية كتبها المؤلف عن نفسه، وذكر فيها أحداث حياته منذ أن كان طفلًا وحتى صار كهلًا، ذاكرًا فيها أحوال عائلته وتعليمه وأصدقائه ومن أثر فيه من الكتاب والشعراء، وكيف استفاد منهم.
مؤلف كتاب ظلال من حياتي
محمد رجب البيومي: عميد كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر بالمنصورة سابقًا، وعضو مجمع البحوث الإسلامية، ورئيس تحرير مجلة الأزهر، وولد عام 1923 في الكفر الجديد بمدينة المنزلة بمحافظة الدقهلية، وحصل على الدكتوراه في الأدب والنقد.
كتب في مجلة الرسالة وكان صديقًا شخصيًّا لأحمد حسن الزيات والإمام عبد الحليم محمود، ومن مؤلفاته: “دمع الحصاد” في رثاء زوجته، و”النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين”، و”حديث القلم”. وحصل على جائزة شوقي بالمجلس الأعلى للآداب والفنون بمصر وعدة جوائز من مجمع اللغة العربية، وتُوفِّي في الخامس من فبراير 2011.