الآليات القانونية لمقاضاة مجرمي الحرب الإسرائيليين أفرادًا

الآليات القانونية لمقاضاة مجرمي الحرب الإسرائيليين أفرادًا
إحدى الهيئات المنوطة بمحاكمة مجرمي الحرب على الصعيد الفردي هي المحاكم الوطنية ذات الاختصاص القضائي العالمي، الذي يمنح الدولة المختصة صلاحية ملاحقة أي شخص ارتكب جريمة دولية خارج حدودها، ومحاكمته أمام محاكمها الوطنية، سواء أكان من مواطنيها أم من الأجانب. وفي الحقيقة كانت هناك سوابق قضائية في تفعيل الاختصاص العالمي ضد مسؤولين إسرائيليين، ففي يونيو 2001م رُفعت دعوى أمام القضاء البلجيكي ضد أرئيل شارون | Ariel Sharon بخصوص أحداث صبرا وشاتيلا، كما رُفعت دعوى قضائية في النرويج ضد مسؤولين إسرائيليين منهم إيهود أولمرت | Ehud Olmert على إثر عملية الرصاص المصبوب، لكن أحيانًا تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، ففي بلجيكا عُدل القانون للخروج من هذا المأزق بسبب الضغوط الأمريكية والإسرائيلية، وفي النرويج جُمدت القضية بحجة عدم امتلاك الوسائل الكافية لمتابعتها.

لكن هناك حالات أخرى قُبلت فيها الدعوى ووصلت إلى حد الاعتقال، ففي ديسمبر 2009م صدر أمر اعتقال بحق وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيفي ليفني || Tzipi Livni من قِبل محكمة بريطانية بتهمة ارتكاب جرائم حرب، كما أن كلا من موشيه يعلون | Moshe Ya’alon وشاؤول موفاز | Shaul Mofaz مطلوبان للاعتقال في بريطانيا. وإن كانت تلك الجهود لم تأت بنتائج فعلية ولم تتجاوز مرحلة التخويف والتلويح بالاعتقال، فقد أحرجت دول الادعاء وأرقت الساسة الإسرائيليين، فبذلوا جهودًا مستميتة لإقناع تلك الدول بتغيير سياستها، إلا أنهم أخفقوا في النهاية، ما دفع موشيه يعلون إلى التصريح بأن “زيارة العواصم الأوربية ليست خسارة كبيرة”. فما يحتاج إليه الفلسطينيون في هذا الصدد هو وجود حكومة ديمقراطية في دولة الادعاء، ووجود جالية فلسطينية وعربية كبيرة تساعد على حشد الرأي العام في دولة الادعاء لصالح القضية الفلسطينية.
أما الآلية الأخرى المتبعة في ملاحقة مجرمي الحرب فهي المحكمة الجنائية الدولية، لكنها مع الأسف تخضع لسلطة مجلس الأمن الذي يخضع بدوره للسياسة ومتقلباتها، لكن لا ضير من المحاولة، ففلسطين تتوافر فيها الشروط اللازمة لقبول دعوتها مما يُمَكّن الفلسطينيين من تشكيل لجنة فلسطينية معنية بجمع الوثائق والأدلة التي تثبت تورط إسرائيل في جرائم ارتكبت على أرضهم كالحصار، والاستيطان، والجدار العازل، وكذلك جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، ويمكن الاستعانة بتقارير المنظمات الدولية لحقوق الإنسان مثل هيومان رايتس ووتش || Human Rights Watch، والعفو الدولية || Amnesty International، وكذلك اللجان الدولية لتقصي الحقائق مثل تقرير جولدستون || Goldstone وتقرير لجنة شاباس.
الفكرة من كتاب كيف نقاضي إسرائيل؟ المقاضاة الدولية لإسرائيل وقادتها على جرائمهم بحق الفلسطينيين
أفادت إحدى الدراسات التي حللت الحروب بين عامي 1900 و2003م عدم وجود أي دليل على أن الدول الموقعة على اتفاقيات القانون الدولي الإنساني قتلت أعدادًا من المدنيين في حروبها أقل من التي قتلتها الدول غير الموقعة، وربما كانت إسرائيل واحدة من الدول التي اختصت بها الدراسة، فقد قتلت في حروبها أعدادًا لا تحصى من الأبرياء وقصفت المستشفيات والملاجئ والمدارس، لكنها لم تعاقب رغم أنها طرف في معظم اتفاقيات القانون الدولي، ما يدفع المرء للتساؤل: هل إسرائيل دولة فوق القانون تفعل ما تشاء دون اكتراث للعواقب؟ هل الخلل في القانون الدولي أم في تطبيقه؟ أم إن القيادة الفلسطينية والعربية لا تريد المضي قدمًا في هذا الطريق تجنبًا لغضب الولايات المتحدة؟ عن هذا وذاك يجيب الكتاب.
مؤلف كتاب كيف نقاضي إسرائيل؟ المقاضاة الدولية لإسرائيل وقادتها على جرائمهم بحق الفلسطينيين
د. سعيد طلال الدهشان: مواطن فلسطيني ولد في مدينة غزة عام 1972م، ونال درجة الدكتوراه في حقوق الإنسان من جامعة الجنان بلبنان عام 2016، ودرجة دكتوراه أخرى في القانون الدولي من جامعة العلوم الإسلامية بماليزيا عام 2019. استُشهد وعائلته على إثر قصف إسرائيلي في أكتوبر 2023م. نشر عدة كتب وأوراق بحثية منها:
التوارث الدولي للمعاهدات في فلسطين في حال زوال “دولة إسرائيل”.