الآخر من أجل الذات
الآخر من أجل الذات
يُقصد بالحميمية العاطفية والاتساق النفسي، هو: أنه من الواجب أن تُبنى العلاقات على العواطف، وهذه العواطف لها دور في تشكيل العلاقات واستمرارها، وهذا التصوُّر ناتج من ثقافة “تحقيق الذات”، وهي ثقافة أنتجها نظام الأصالة والاستبطان الداخلي.
فثقافة تحقيق الذات طرحت الذات كهدف أساسي يجب أن يُكتشف، كهدف مُتحرِّك في حالة من التغيُّر وفقًا لما تشعر به الذات، فهي قوَّة جبَّارة تجعل الناس في حالة من عدم الاستقرار، فيتركون وظائف غير مرضية، وزواجًا بلا حب، فما دامت الذات لا تشعر بحرارة العاطفة، فلا تُقام علاقة أو حتى لا تستمر بمجرد فقدانها.
ولأن الحُب بشكل عام يعكس شعور التفرُّد، ويعزِّز إحساس الفرد بذاته، ففي سياق الذات الحداثية فإن شعور التفرُّد يتفاقم بشكل كبير، ويكون الحُب هنا خادمًا له.
فمثلًا نلاحظ قديمًا كيف قدَّمت الكُتب النصائح للرجل أو المرأة من خلال المواعدة، نجدها توجِّههما إلى الإتيكيت والأسلوب الذي من خلاله ينجح الفرد من خلال قواعد سلوكية أن يُكرم بها الطرف الآخر، كأن يُقدِّم الرجلُ المرأة أو يفتح لها الباب، أو أن تنحني المرأة انحناءة صغيرة للتحية تدلُّ على الاحترام وغيرها من السلوكيات.
على عكس الآن؛ نجد النصائح تدور حول الذات: “أن تعرف نفسك”، “أن تكون واثقًا”، أو “أن ترفض المرأة أن تعطي رقمها للرجل لتطمئن أنها مرغوبة”، وغيرها من النصائح التي استخدمت اعتراف الآخرين كوسيلة لتعزيز قيمة الذات، فالقيمة الاجتماعية للذات الحديثة قيمة أدائية: أي يجب تحقيقها في سياق تفاعل الفرد مع الآخرين ومن خلاله.
على عكس الفرد في زمن ما قبل الحداثة، فقد كانت “المودة” هي القيمة التي تُبنَى عليها العلاقات، وليست العاطفة الشديدة، ويكون الأمل في أن يطوِّر الشريكان تدريجيًّا عاطفة أحدهما نحو الآخر، ومن هنا يُقيِّم الفرد ذاته من خلال قيم “موضوعية” لا من خلال عيون خارجية، أي من خلال مدى التزامه بالطرف الآخر، واستمرار العلاقة لا يعتمد على العاطفة الحارَّة، بل يعتمد على العاطفة الساكنة.
الفكرة من كتاب لماذا يجرح الحب: تجربة الحب في زمن الحداثة
لماذا يجرح الحُب؟ يُبدو السؤال في ظاهره سؤالًا مشوِّقًا لكثيرين مِمَّن مرُّوا بتجارب حُب مؤلمة، ولكن الحقيقة أن هذا الكتاب يُقدِّم الإجابة بشكل مُختلف، إذ إنه تحليلٌ اجتماعي مُقارن بين عصرين؛ الحداثة وما قبلها، فالحُب في كُل الأزمنة له حالاته المُصاحبَة بالألم، لكن في كتابنا توضح الكاتبة أن ألم الحُب في عصر الحداثة يختلف عن أيِّ ألمٍ للحُب في كل عصرٍ قبلها.
وذلك بسبب تغيُّر العديد من العوامل الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي بتغيُّرها تغيَّرت طبيعة الروابط الرومانسية، وقد حاولت الكاتبة توضيح تلك التغيُّرات من خلال تحليلها للنصوص الأدبية، وقيامها بعدد كبير من الحوارات واللقاءات مع عدد من الناس لتقيِّم حقيقة هذه التغيُّرات ومدى تأثيرها، لتُقدِّم لنا نتيجة هذه الدراسة وهذا التحليل في كتابنا.
مؤلف كتاب لماذا يجرح الحب: تجربة الحب في زمن الحداثة
إيفا إيلوز: عالمة اجتماع وُلِدت في مدينة فاس بالمغرب سنة 1961م، وكانت نشأتها في فرنسا وفي فلسطين -الأرض المُحتلَّة- والولايات المتحدة الأمريكية.
ركَّزت في مؤلفاتها على دراسة التقاطع بين تأثير الاقتصاد والثقافة في العاطفة والمشاعر، كما قامت بالكتابة في مواضيع مختلفة كالأدب والسياسة والشؤون الاجتماعية، وقد دُعِيَت لإلقاء المحاضرات في بلاد مختلفة، وفازت بعدد من الجوائز الدولية.
ألَّفت عددًا من الكُتب في عدَّة مجالات، منها:
Oprah Winfrey and the Glamour of Misery: An Essay on Popular Culture.
حميميات باردة: تشكيل الرأسمالية العاطفية.
معلومات عن المُترجم:
خالد حافظي: تونسي الجنسية، ويعمل أستاذ لغات ومترجمًا، وقد قام بترجمة عدد من الكُتب، ومنها:
الفلسفة: من الذي يحتاج إليها؟
هل يستطيع التابع أن يتكلم؟