الآخر الكبير في عصر التكنولوجيا
الآخر الكبير في عصر التكنولوجيا
يتضح من الطرح السابق التغير الذي طرأ على أحوال البهتان والافتراء، وتَلَت تلك المراحل مرحلة تاريخية ظَهرَت فيها شائعة من التحليل النفسي مُمَثَّلًا في «جاك لاكان» مفادها أن الآخر الكبير غير موجود، وهذا لا ينفي وجوده، وإنما يُـقصَد أنه ليس موجودًا كما ينبغي له أن يكون، فأصبح ناقِصًا متناقضًا غير مبنيٍّ على أساس متين، وقد يكون هذا النقص هو سبب انقسام «الآخر الكبير» إلى الآخر الكبير وظِلِّه.
إن كون الآخر الكبير غير موجود سمةُ الوقت الراهن أو منطلق لتشخيص اضطراباته، إذ إن «الآخر الكبير» قد اضمحل بعد زمن التنوير، فبعد أن أسقط التنوير السلطات والمرجعيات التقليدية، وحَلَّ محلهما الآخر الكبير المعتمِد على العقل والعلم والديمقراطية، ضَعُفَت سُلطَتُه بعد ذلك، وأصبحت القوانين والقواعد الأخلاقية قابلة للتعديل، وبَدَّدَت وسائل الإعلام الحديث الفرق بين المعرفة والرأي، فتَوَحَّدَا ليظهر شكل ثالث هو الشائعات، كما تلاشى الفرق بين العام والخاص، فأصبح الإنترنت مصدرًا للمعلومات المبنية على الشائعات، ووصلت إلى ذروتها مع استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
وقد تفوق الإنترنت في نشر الشائعات من حيث الكم والسرعة، وبدأ الإنترنت مُبَشِّرًا بإتاحة المعلومات وتيسير التواصل بين الناس وتوفير الحرية والديمقراطية، وانتهى به الحال إلى ظِلِّ الآخر الكبير، المبني على الباطل، وتكمن المشكلة في أن الآخر الكبير ما زال مؤثِّرًا ويزداد قوة وعنادًا، والآخر الكبير الذي ينبغي التعامل معه في الوقت الراهن هو البنية الرأسمالية العولمية، التي تزداد قوة وهيمنة، وذلك من خلال ابتكار استراتيجية جديدة لإسقاطه دون تحريض أحد وجهيه على الآخر.
الفكرة من كتاب فلسفة القيل والقال: عن الكذب والنميمة والشائعات والمسائل ذات الصلة
إن للشائعات أثرًا بالغًا لا يخفى على أحد، وهي ظاهرة ليست حديثة العهد بالمجتمعات الإنسانية، بل هي ظاهرة قديمة طرأت عليها تغيرات بتغير المجتمع وتقدمه، ولَمَّا كان الأدب وثيق الصلة بالإنسان وحياته، فقد تطرق الأدباء في أعمالهم لهذه الظاهرة، كما تناولها الفلاسفة بالوصف والتفسير، وكذلك التحليل النفسي، ولم يغفلوا عن «الكذبة البيضاء» وعلاقتها بالثقافة. والطرح التالي يتناول الشائعات والمسائل المرتبطة بها في شكل مراحل تاريخية عَبَّرَت عنها نماذج أدبية.
مؤلف كتاب فلسفة القيل والقال: عن الكذب والنميمة والشائعات والمسائل ذات الصلة
ملادن دولار: فيلسوف ومحلل نفسي سلوفيني، تخرج في جامعة ليوبليانا بعد دراسته اللغة الفرنسية والفلسفة، كما درس في جامعتي «باريس السابعة» و«وستمنستر»، وهو أحد مؤسسي جمعية التحليل النفسي النظري، يعمل في التدريس الأكاديمي وباحث استشاري في أكاديمية «جان فان إيك»، ونشر العديد من البحوث والمقالات العلمية والكتب، ومن أعماله:
A Voice and Nothing More
Opera’s Second Death
ألكينا زوبانجج: فيلسوفة سلوفينية معاصرة، من أعلام مدرسة لوبليانا للتحليل النفسي، وأستاذة في كلية «الدراسات العليا الأوربية» وفي جامعة «نوفا جوريكا»، كما تعمل مستشارة للبحوث، وأستاذة في معهد الفلسفة التابع للأكاديمية السلوفينية للعلوم والفنون. تخرجت في جامعة ليوبليانا بعد دراستها الفلسفة، كما حصلت على درجة الدكتوراه، وهي مُحِِّررة مشارِكة ورئيسة تحرير مجلة نظرية التحليل النفسي والفلسفة والدراسات الثقافية، ومن مؤلفاتها:
Let Them Rot: Antigone’s Parallax
The Odd One In: On Comedy
معلومات عن المترجم:
طارق عثمان: باحث ومترجم مصري، تتمركز اهتماماته حول الفلسفة المعاصرة والعلوم الاجتماعية، وخصوصًا علم النفس، نشر العديد من الدراسات والمقالات العلمية، ومن ترجماته:
حاوي الثورة المصرية: دراسة أنثروبولوجية لظاهرة توفيق عكاشة.
ما هي الشريعة؟