الآثار السَّلبيّة للتِّقنية
الآثار السَّلبيّة للتِّقنية
بعدما فشل حلم الرُّوَّاد الأوائل للإنترنت في إقامة مدينة فاضلة أو يُوتُوبْيَا تحتوي على عالم اتصالات يخدم كلُّ البشرية، أصابهم النَّدم على ما آلَ إليه اختراعهم، وأطلقوا تيارًا لمنع استخدام الأجهزة الرّقميّة في المدارس، وذلك لإدراكِهم الآثار السلبية المدمّرة لتلك التّقنيَّة في الأطفال والمراهقين، فبسببها زادت معدَّلات اضطرابات الانتباه، كما ظهرت العديد من الأمراض الرّقميّة المستحدثة مثل: “الخوف الاجتماعيُّ من أن يفوتنا شيء على الشاشة”، ويسمَّى هذا الخوف والقلق المتزامن بـ”فُومُو | FoMo” اختصارًا لكلمة “Fear of missing out”، كما ظهرت أمراض مثل: “نُومُوفُوبيا | Nomophobia” التي تعني خوف البقاء من دون هاتف محمول، والإصابة بالذُّعر عند الابتعاد عن الهاتف ولو للحظة، كما أصبح البعض عبارة عن “نيام متربّصين” يتجنّبون النَّوم العميق خوفَ أن تفوتهم إشعارات هاتفهم، أما من ينكبُّون على الهاتف المحمول في أثناء وجود الأهل والأقارب والأصدقاء تمت تسميتهم بـ”Phubbing” وهو دمج لكلمة phone أي هاتف، وكلمة Snubbing بمعنى تجاهل، وتلك الأمراض الرّقميّة مجَّرد ردّ فعل عكسيّ لا يعي فيه الشَّخص ما يفعله.
ومن الآثار السَّلبيّة للتِّقنيَّة أنَّنا أصبحنا نعيش في عالم غارق بالأحداث الزّائفة، فتتعدَّد الأقاويل الكاذبة وتضيع الحقيقة الواقعيّة، وذلك لتعدُّد الرِّوايات والحقائق بتعدُّد المستخدمين، وصار المنتج النَّاتج عن هذا هو “الشَّكّ”، فهو أفضل وسيلة لزعزعة الأفكار الموجودة في رؤوس المستهلكين، ممّا كوّن “اقتصاد الشَّكّ”، الذي يرمي إلى إنتاج حالة من الاحتمال تحُلُّ محلَّ الحقيقة، وهذا يعطي الأفكار الهامشيَّة وزنًا أكبر من وزنها، وتمّ تعزيّز قوة “اقتصاد الشّكّ” من خلال ثلاثة أسباب رئيسة: أوُّلها “الحجم”، فمن الأسهل فبركة الاحتمالات عن التَّوصُّل إلى الحقيقة، إذ إنّ الحقيقة تتطلَّب عملًا طويلًا دقيقًا، وثاني الأسباب “القدرة على الجذب”، فالمحتوى المسبِّب للصّدمة سرعان ما ينتشر فيؤدي إلى ضجّة رقميّة، وثالث الأسباب “عدم القدرة على التَّمييز بين الحقيقة والصّواب”، فكلّ محتوى مدفوع الأجر يُسمَح له بأنّ يكون مُشاهدًا بصرف النَّظر عن الجهة الصّادر عنها، وبصرف النَّظر عن طبيعته. وقد تسبَّبت هيمنة المنصّات الاجتماعيّة في دفع الصّحافة والإعلام إلى المرتبة الثّانية، بسبب عدم التَّكافؤ في الموارد ومدى الانتشار.
الفكرة من كتاب حضارة السمكة الحمراء.. مقالة حول سوق الانتباه
هل سبق أن جلست مع شخص ما، وفجأة نسِيَ شيئًا كان يَودُّ قوله، ثم قال مازحًا إنه يمتلك ذاكرة سمكة؟! ولكن مهلًا! ما علاقة السَّمكة بذاكرتك؟ هذا ما سنعرفه في كتابنا اليوم، فسمكة الزّينة الحمراء مدى انتباهها هو 8 ثواني لا أكثر ولا أقل، ووسط فوضى التُّكنولوجيا الحديثة أصبح مدى انتباهنا نحن والجيل الحالي لا يتعدّى التسع ثواني، أي أنّنا أصبحنا أسماكًا حمراء سجينة إناء زجاجيّ يملؤه الإنترنت، ومواقع التَّواصل الاجتماعيّ، وخاضع لسيطرة الخوارزميّات، ولتوضيح الأسباب وراء قلّة تركيزنا جاء إلينا هذا الكتاب، فهو بمنزلة إزالة للغمام من على العيون، وكسر للإناء الزُّجاجيّ الّذي يحيطنا، وطريق للتّحرُّر من إدمان الإنترنت، واسترداد للسّيطرة على العقل والوقت والحياة.
مؤلف كتاب حضارة السمكة الحمراء.. مقالة حول سوق الانتباه
برونو باتينو: كاتب وصحفي فرنسي وُلد عام 1965، حصل على دكتوراه في العلوم السياسيّة من جامعة “بَانْثِيونْ سُورْبُونْ” في عام 1998، ودرجة “برنامج الإدارة المتقدِّمة” من “إِنْسِيَادْ” في عام 2004، ويشغل حاليًّا منصب رئيس مجلس إدارة Arte France org chart.
ومن أهمّ أعماله:
La condition numérique.
S’informer, à quoi bon?
Télévisions.
معلومات عن المترجم:
د. مُصْطَفَى حِجَازِي: مفكّر وكاتب لبنانيّ، تخصّص في علم النّفس والسُّلوك النَّفسيّ والصّحّة العقليّة، وحصل على ليسانس علم النّفس من جامعة عين شمس في مصر، ثمّ على الدُّكتوراه في علم النّفس من جامعة “لِيُونْ – فَرَنْسَا”، كما شغل منصب أستاذ علم النَّفس في الجامعة اللُّبنانيّة من 1983 إلى 1990، وأستاذ الصّحّة النّفسيّة والإرشاد النّفسيّ في جامعة البحرين من 1991 إلى 2006.
ومن أبرز أعماله:
الأسرة وصحّتُها النَّفسيّة.
الإنسان المهدور.. دراسة تحليليّة نفسيّة اجتماعيّة.
التَّخلُّف الاجتماعيّ.. مدخل إلى سيكولوجيّة الإنسان المقهور.