الآثار الخفيّة البعيدة المدى للحرمان من الأم
الآثار الخفيّة البعيدة المدى للحرمان من الأم
يمكن إجمال الآثار البعيدة المدى للحرمان من الأم في ثلاثة أنواع رئيسة، أولًا “الانفصال القصير وتعدُّد الأمومة”، أشارت بعض الدراسات إلى أن أطفال الأمهات العاملات أكثر اضطرابًا وأكثر جنوحًا من غيرهم، وهذا راجع إلى أن الأطفال يعانون في حال غياب ممثل الأمومة من إقامة علاقة وروابط ثابتة في المراحل المبكرة، لكن إذا توافَّرت لهم رعاية أمومية ثابتة جيدة، فمن الراجح ألا يؤثر ذلك فيهم في المستقبل، ثانيًا “الانفصال المؤقت” وهو الانفصال لمدة شهر أو أكثر، وتشير الدراسات إلى أن هذا النوع من الانفصال الناتج عن النزاعات الأسرية أو التفكك الأسري يرتبط بالاضطرابات المضادة للمجتمع، إلى جانب نزوع هؤلاء الأطفال إلى خوف المواقف والأشياء الجديدة، ثالثًا “الانفصال الدائم أو الطويل” ويكون بسبب الوفاة أو الطلاق، بالنسبة إلى الوفاة، فإنها تؤدي إلى جنوح طفيف في سلوك الطفل نتيجة لحالة الأسى التي يعيشها الوالد الآخر، أما الانفصال الطويل بسبب الطلاق فالأدلة تشير إلى علاقته الوثيقة بجنوح الطفل وانحرافه في المستقبل.
ويُعد العامل الحاسم في أنواع الانفصال المختلفة هو نوع الرعاية المقدمة إلى الطفل، فالجو الذي تنعدم أو تنقص فيه مداعبة الأطفال وملاعبتهم يتسبب في تأخر نموهم الحركي، كما أن قلة التنبيهات سواء أكانت حسية أم اجتماعية أم لغوية تتسبب في تأخر نموهم العقلي والمعرفي، ورؤية الأطفال لأشياء كثيرة ولمسهم لهذه الأشياء واللعب بها في بيئة إيجابية تؤثر في نمو كثير من المهارات العقلية وزيادة معدلات الذكاء والنضج المبكر لبعض المهارات البصرية الحركية، إضافة إلى ذلك فإن انعدام علاقات التعلَّق والروابط الوجدانية التي يقيمها الأطفال مع غيرهم تتسبب في خلوهم من المشاعر، ومن ثمَّ يؤدي ذلك إلى ظهور وتطور الشخصية السيكوباتية.
كما لوحظ على الأطفال الذي حُرموا من الأم، وجود بعض الاضطرابات السلوكية البسيطة، كعدم انتظام النوم والأكل، واتسامهم بشدَّة الانفعال والتقلبات المزاجية السلبية، وبطء التكيف مع المواقف الجديدة، وفي كل الأحوال يمكن محو الآثار السيئة للحرمان من الأم وإعادة سلوكيات الأطفال إلى وضعها الطبيعي، لكن بشرطين، الشرط الأول “تغيير البيئة الموجود فيها الطفل بشكل كامل”، والشرط الثاني “أن يكون هذا التغيير في مرحلة الرضاعة، أي قبل بلوغ الطفل سِن عامين”، وكلما طالت المدة وازداد سن الطفل أصبح من الصعب -وإن كان ليس مستحيلًا- إعادة سلوكياته إلى الوضع الطبيعي، ومن ثمَّ فإن درجة إزالة التأثيرات السلبية تتوقف على درجة واستمرار الحرمان والفقر البيئي الذي يعيش فيه الطفل وعلى سن الطفل.
الفكرة من كتاب الحرمان من الأم
يتحدث المؤلف في هذا الكتاب عن خصائص الرعاية اللازمة التي يجب أن تقدمها الأم إلى أطفالها من أجل أن ينموا نموًّا صحيًّا طبيعيًّا، كما يُبين على صعيد آخر آثار حرمان الأطفال من الأم على المدى القصير والبعيد، الظاهر منها والخفي، وما يترتب على ذلك من أضرار تصيب نمو الأطفال على جميع المستويات النفسية والاجتماعية والمعرفية والجسمية، ويوضح أن دور الأم في حياة الطفل في ما يتعلق بصحته النفسية لا يقل أهمية عن دور الفيتامينات والبروتينات والمعادن بالنسبة إلى صحته الجسدية.
مؤلف كتاب الحرمان من الأم
مايكل رتر: هو طبيب نفسي، ومن أبرز أساتذة الطب النفسي للأطفال في العالم، تخرج في كلية الطب بجامعة برمنجهام، ويُعد من الباحثين المتخصصين وذوي الخبرة العالية في مجاله، ويوصف بأنه “أب علم نفس الطفل”، أصبح عضوًا بمركز الدراسات العليا المتخصصة للعلوم السلوكية بجامعة ستانفورد بكاليفورنيا، وعمل استشاريًّا وطبيبًا نفسيًّا في مستشفى مودسلي منذ عام 1966 حتى تقاعده عام 2021، حصل على جائزة جوزيف زوبين عام 2003، وله نحو 400 ورقة بحثية، و40 كاتبًا، من كتبه:
The Qualities Of Mathering.
Developmental Psychiatry.
Genes and Behavior.
Developing Minds.
Antisocial Behavior By Young People.
مقدمة في علم النفس.
الإرشاد النفسي.. منظور إنمائي.
نظريات الشخصية.
علم النفس الاجتماعي.. أنت وأنا والآخرون.
ترجماتها:
أسس التعليم في الطفولة المبكرة.