اكتمال النموذج
اكتمال النموذج
إن الموت هو الحقيقة الكُبرى التي يقف أمامها الإنسان دون أن يعرف ماهيتها، كما أن الموت هو الحقيقة الكُبرى التي تدل على أكبر حقيقة؛ وهو اليوم الآخر، فما قيمة الحياة إن لم يكن هناك اليوم الآخر؟ لذلك تعطي الفلسفة الإسلامية العلاقة الصحيحة بين الإنسان وبين الآخرة، وهي علاقة مسؤولية وجزاء، فكل إنسان مسؤول عن كل شيء في حياته وسوف يُسأل عن كل التفاصيل، يقول الله تعالى: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَعَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.
والمسؤولية التي سيُسأل عنها الإنسان تنقسم إلى عدَّة أقسام، وهي: مسؤولية الرسل في تبليغ الرسالة، ومسؤولية الأمم من الرسالة، ومسؤولية الراعي على رعيَّته، ومسؤولية الفرد على نفسه، وهذه المسؤوليات جميعها تكوِّن إنسانًا صاحب إحساس وانتباه تجاه ممارساته وأفعاله، على عكس الفلسفة المُعاصرة التي توجِّه الفرد دائمًا في البحث عن ما له لا ما عليه، فنسمع كثيرًا عن لفظ الحقوق، وبهذا ينمو في الفرد الطمع والأخذ لا العطاء والبذل، والمسؤولية في حقيقتها حاجة نفسية إنسانية، تظهر في صورة العطاء الممزوج بالحُب، وكما هو معلوم فحينما يقوم كل فرد بما هو مسؤول عنه يصبح العدل سائدًا وكل الحقوق مستوفاة لأصحابها.
وبهذا يتم نموذج العلاقات الذي تقوم عليه فلسفة التربية الإسلامية، فيتكوَّن الإنسان الراقي الذي يسعى في هذه الحياة إلى الغاية التي خلقه الله من أجلها، ويظهر جليًّا ما هو حال الإنسان حينما ينفصل عن الوحي فيعتمد على عقله وحسِّه ويظن بذلك أنه يستطيع خوض تلك الحياة، فالتربية الإسلامية اعتمدت على عوامل عدَّة، وهي: عامل عقائدي، فحدَّدت العلاقة بين الخالق والإنسان، وعامل اجتماعي فأوضحت أنماط السلوك البشري، وعامل مكاني فيسَّرت المكان الذي استُخلف فيه الإنسان، وعامل زمني فأدرك الإنسان حقيقة الدنيا وعظيم أمر الآخرة.
الفكرة من كتاب فلسفة التربية الإسلامية -دراسة مقارنة بين فلسفة التربية الإسلامية والفلسفات التربويَّة المعاصرة-
لكل فِعلٍ ظاهر نقوم بِه، هناك تصوُّر باطن قد شكَّل هذا الفعل وجعل نفوسنا تتقبَّله، هذا التصوُّر يعتمد بشكل كبير على عدد من المركزيات في حياة الإنسان، وعلى بعض القيم والأهداف التي لها مكانة كبيرة في نفسه، والتي تحدِّد له الأدوات التي يسعى بها، ووفقًا لتلك القيم والأهداف يتشكَّل الإنسان، وهذا يمكننا تسميته بـ”فلسفة التربية”، فلكلِّ فلسفة غايات معينة تُشكِّل النموذج الإنساني الذي يتطابق تصوُّره وفقًا لتلك الفلسفة، فحينما نتأمَّل حال الإنسان المُعاصر ونقف جيِّدًا مع تصرفاته ودوافعه سنُلاحظ أن هناك فلسفة ما تشكَّل بها تصوُّره فنتج عنها تصرفه، فما هي إذًا فلسفة التربية لدى الإنسان المُعاصر؟ وهل هناك نموذج فلسفي تربوي كامل يرتقي بالإنسان؟ وماذا نعني بفلسفة التربية الإسلامية؟
في كتابنا يفتح لنا الكاتب آفاقًا جديدة لمعرفة إجابات تلك الأسئلة، ونُدرك جيدًا إلى أيِّ التصوُّرات ننتمي، وكيف ننظر إلى تلك الحياة.
مؤلف كتاب فلسفة التربية الإسلامية -دراسة مقارنة بين فلسفة التربية الإسلامية والفلسفات التربويَّة المعاصرة-
الدكتور ماجد عرسان الكيلاني: مُفكِّر ومُؤرِّخ وتربوي أُردني، وُلِد عام 1932م، وحصل على شهادة الماجستير في التاريخ الإسلامي من الجامعة الأمريكية في بيروت، وشهادة الماجستير في التربية من الجامعة الأردنية، وشهادة الدكتوراه في التربية من جامعة بتسبرغ في بنسلفانيا في الولايات المتحدة الأمريكية.
حصل الدكتور ماجد الكيلاني على عديدٍ من الجوائز والتكريمات من دول العالم المُختلفة، منها: جائزة الفارابي العالمية للعلوم الإنسانية والدراسات الإسلامية، وتوفِّي في عام 2015 م، بعد أن قدَّم الأفكار الكبيرة والأعمال الضخمة التي تُصحِّح للأمة الإسلامية مسارها.
ومن مؤلفاته:
“هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس”، و”أهداف التربية الإسلامية”، و”الدور اليهودي في التربية المعاصرة”.