اقتصاد المعسكر
اقتصاد المعسكر
كانت منظمة الصليب الأحمر تزود أسرى الحرب العالمية الثانية من الإنجليز والفرنسيين والأمريكان في المعتقلات الألمانية بمجموعة طرود تحتوي على طعام، وشاي، وقهوة، وسجائر، وألواح من الشيكولاتة، وذلك بموجب اتفاقية جنيف.
لاحظ بعض الضباط الفرنسيين اختلاف الأذواق بين الأسرى؛ فهم يعرفون تفضيل الفرنسي القهوة على الشاي، بعكس الإنجليزي الذي يفضل الشاي.
فقرر الضباط تنظيم عملية التبادل بين الأسرى، فيتبادلون الشاي مع الفرنسيين مقابل كمية أقل من القهوة التي يحصلون عليها من الإنجليز، والعكس بشأن القهوة مع الإنجليز. وهذا الفرق بين عمليتي التبادل يدعى بالمراجحة.
ومن ثم انتشرت أخبار تلك العملية بين الآخرين، وبدؤوا بالمنافسة، مما جعل أسعار القهوة مقابل الشاي والعكس معروفة للجميع، وأصبحت توجد لوحات إعلانية في المعسكر، ينشر عليها التجار عروضهم، فيستطيع الجميع رؤية الأسعار المتاحة، وهي ما يطلق عليها Bloomberg في أيامنا هذه، ويشار فيها إلى أسعار الذهب والنفط، ومختلف السلع.
وبعد التطور في معاملات التبادل، وتعقيدها قليلًا، ظهرت سلعة كوسيط في جميع عمليات بيع السلع، وأصبحت كذلك وحدة قياس لمقارنة الأسعار؛ لما لها من صفات مميزة من عدم التلف، وسهولة الحمل، وقابلية التجزئة، والقدرة على إدخارها.
وكل تلك الصفات ساعدت على فهم ظاهرة التضخم والانكماش في المعسكر، ففي أوقات كانت منظمة الصليب الأحمر ترسل كمية سجائر أكثر من المعتاد مع البقاء على نسبة باقي الموارد في الطرد، مما يؤدي إلى انخفاض قيمة تبادلها مقابل القهوة والشاي، وهذا ما يسمى بالتضخم، وفي الحالة المعاكسة عند انخفاض كمية السجائر وكونها أكثر ندرة، فتزداد قيمتها التبادلية مع القهوة والشاي، مما يسمى بالانكماش.
ومن الفوارق بين اقتصاد المعسكر، واقتصاد السوق، أن معسكر أسرى الحرب يوجد به استهلاك فقط، وليس به أي إنتاج ومن ثم لا توجد أي وسيلة لتحويل الدين إلى ربح.
ولم تنشأ العملة التبادلية -السجائر- إلا لتسهيل التبادلات، ليس من أجل تسجيل الديون أو من أجل جباية الضرائب.
الفكرة من كتاب الاقتصاد كما أشرحه لابنتي
هل يُمكنك أن تشرح الاقتصاد لطفلة لم تتجاوز التاسعة؟ وكيف يُمكن أن تشرح لها؟ هذا ما فعله كاتبنا مع ابنته الصغيرة، من شرح بعض المفاهيم الاقتصادية، والإجابة عن بعض الأسئلة مثل: “لماذا كل هذا القدر من اللا مساواة بين الشعوب؟”، و”كيف تكون مجتمعات السوق مثل إيكاروس؟”، و”لماذا لم يغزُ السكان الأصليون في أستراليا بريطانيا؟”، و”كيف تعمل البنوك؟”، في شكلٍ قصصي، ورَبطِها بأساطير مشهورة، مُبتعدًا عن المصطلحات الأكاديمية مثل مصطلح “الرأسمالية” الذي استبدل به مصطلح “مجتمع السوق” لتبسيط الأمر.
مؤلف كتاب الاقتصاد كما أشرحه لابنتي
يانيس فاروفاكيس: اقتصادي وسياسي يوناني-أسترالي، وأكاديمي سابق في العلوم الاقتصادية، شغل منصب وزير مالية اليونان، وكُلِف بإدارة أزمة الديون للحكومية اليونانية.
له مؤلفات وكتب عدة عن الاقتصاد وأثره في السياسة، منها:
المينوتور العالمي – أمريكا وأوروبا ومستقبل الاقتصاد العالمي
-And The Weak Suffer What They Must?: Europe, Austerity and the Threat to
Global Stability
-Adults in the Room: My Battle with the European and American Deep Establishment
معلومات عن المُترجم:
عماد شيحة: سوري الجنسية، مترجم وروائي، ترجم العديد من الكُتب مثل: “تاريخ الشك”، “منطق الكتابة و تنظيم المجتمع”، وألَّف رواية: “بقايا من زمن بابل”، و”غبار الطلع”.