اقتصادٌ من نوعٍ آخر
اقتصادٌ من نوعٍ آخر
لكي تُنمِّي المنصَّات الرّقميّة قدرتها على جذب انتباه المستخدمين لجأت إلى علم النّفس، واشتغلت على تقنيَّات الإقناع لتغيير سُلُوك المستخدمين وسرقة أوقاتهم، وعزَّزت الفكرة القائلة بأنَّ عالم لمس الشَّاشات الرّقميّة أكثر إرضاءً من واقعنا، وذلك عن طريق “علم استقطاب الانتباه” أي فنّ شدّ انتباه المستخدم سواء أراد ذلك أم لا، كما أنّهم قاموا باستغلال عُلوم الأعصاب مع علم النّفس، بغية فهم السلوكيات والدَّوافع ومن ثمّ توقعها بشكلٍ أفضل، وصولًا إلى التّأثير فيها، ومن ثم سرقة أوقات المستخدمين لتلك المنصّات لأطول فترة ممكنة، مستغلين رغبة المستخدمين في التَّنافس وحُب الظُّهور.
ونتيجة لذلك أصبح الوقت هو أساس النُّمو الاقتصاديّ الرَّاهن، والمورد الأكثر طلبًا نظرًا لنُدرته، إذ إنّه بعد تلك الصّدمة الرّقميّة، لم يعد لدينا متَّسع من الوقت مع أنّنا نكسبه بازدياد، مما دفع المنصَّات الرّقميَّة إلى إيجاد طرق أخرى لكسب الوقت، وذلك من خلال اختصار الوقت اللّازم للقيام بالأمور المعتادة، أو بزيادة الإنتاجيّة عن طريق القيام بأعمال عدة في آنٍ واحد، فقد انغرس الاقتصاد الرّقميّ في الاستحواذ على الوقت، وتسخير خوارزميّات الذّكاء الاصطناعيّ نحو الاستيلاء على وقت المستخدمين وبياناتهم لبيعها للمعلنين والخدمات الرّقميّة، أي تمّ استغلالُنا ماليًّا وتجاريًّا وسرقة وقتنا الّذي هو أثمن ما نملك، فأصبح يطلق على الخوارزميّات عبارة “صَيّادة الوقت”، لأنها تُعبر عن إرادة الصّناعة الرّقميّة، التي تقوم على سرقة وقت المستخدمين وبياناتهم وجمعها ومن ثمّ الاستحواذ عليها، وبالنسبة إلى بيانات المستخدمين فقد أصبحت بمنزلة بترول الاقتصاد القادم، ونستنتج من ذلك أنّ هدف عمالقة التّقنيّة الرّقميّة جعل النّاس معتمدين على تلك التِّقنيّات، ولكن لو نظرنا لوجدنا أنّ أغلب العاملين في تلك التّقنيّات عمدوا إلى إرسال أطفالهم إلى مدارس غير متّصلة بالإنترنت، مع منعهم من استخدام الاختراعات الرّقميّة، وذلك لأنهم أكثر من يدركون الآثار المدمّرة لها على سيكُولُوجيّة البشر، ولذا من الأفضل أنّ نتوقف عن الركض وراءها!
الفكرة من كتاب حضارة السمكة الحمراء.. مقالة حول سوق الانتباه
هل سبق أن جلست مع شخص ما، وفجأة نسِيَ شيئًا كان يَودُّ قوله، ثم قال مازحًا إنه يمتلك ذاكرة سمكة؟! ولكن مهلًا! ما علاقة السَّمكة بذاكرتك؟ هذا ما سنعرفه في كتابنا اليوم، فسمكة الزّينة الحمراء مدى انتباهها هو 8 ثواني لا أكثر ولا أقل، ووسط فوضى التُّكنولوجيا الحديثة أصبح مدى انتباهنا نحن والجيل الحالي لا يتعدّى التسع ثواني، أي أنّنا أصبحنا أسماكًا حمراء سجينة إناء زجاجيّ يملؤه الإنترنت، ومواقع التَّواصل الاجتماعيّ، وخاضع لسيطرة الخوارزميّات، ولتوضيح الأسباب وراء قلّة تركيزنا جاء إلينا هذا الكتاب، فهو بمنزلة إزالة للغمام من على العيون، وكسر للإناء الزُّجاجيّ الّذي يحيطنا، وطريق للتّحرُّر من إدمان الإنترنت، واسترداد للسّيطرة على العقل والوقت والحياة.
مؤلف كتاب حضارة السمكة الحمراء.. مقالة حول سوق الانتباه
برونو باتينو: كاتب وصحفي فرنسي وُلد عام 1965، حصل على دكتوراه في العلوم السياسيّة من جامعة “بَانْثِيونْ سُورْبُونْ” في عام 1998، ودرجة “برنامج الإدارة المتقدِّمة” من “إِنْسِيَادْ” في عام 2004، ويشغل حاليًّا منصب رئيس مجلس إدارة Arte France org chart.
ومن أهمّ أعماله:
La condition numérique.
S’informer, à quoi bon?
Télévisions.
معلومات عن المترجم:
د. مُصْطَفَى حِجَازِي: مفكّر وكاتب لبنانيّ، تخصّص في علم النّفس والسُّلوك النَّفسيّ والصّحّة العقليّة، وحصل على ليسانس علم النّفس من جامعة عين شمس في مصر، ثمّ على الدُّكتوراه في علم النّفس من جامعة “لِيُونْ – فَرَنْسَا”، كما شغل منصب أستاذ علم النَّفس في الجامعة اللُّبنانيّة من 1983 إلى 1990، وأستاذ الصّحّة النّفسيّة والإرشاد النّفسيّ في جامعة البحرين من 1991 إلى 2006.
ومن أبرز أعماله:
الأسرة وصحّتُها النَّفسيّة.
الإنسان المهدور.. دراسة تحليليّة نفسيّة اجتماعيّة.
التَّخلُّف الاجتماعيّ.. مدخل إلى سيكولوجيّة الإنسان المقهور.