اعرف مزاجك من مرحلتك العمرية
اعرف مزاجك من مرحلتك العمرية
يقسم الكاتب مراحل عمر الإنسان إلى أربع: النمو ثم الوقوف ثم الكهولة ثم الشيخوخة، ففي المرحلة الأولى (النمو) يكون البدن زائدًا في الحرارة، ليس عنده من الأفكار الراسخة الكثير، ولذلك عدة صفات وأحوال منها: أن البشر سريعو التقلب والتبدُّل، ويملون بسرعة، سريعو التقبل للأفكار الجديدة ثم تركها، في حالة سعي إلى الكرامة وطليها ويحبون رفعة المنزلة والنباهة أكثر من الغنى المادي، لأنهم لم يحتاجوا إلى المال بعد ولم يتعرضوا لضيق الفقر والحاجة، والحياء عليهم غالب لقلة خبرتهم وفعلهم الفواحش الموجبة للوقاحة.
أما في مرحلة سن الوقوف فهذا سن الكمال، فالسخونة واليبوسة زائدة، ولهؤلاء أحوال وصفات منها: أنهم مفرطو الثقة بأنفسهم، حسنو الظن في قدراتهم، ويفضلون السرور على الفائدة والمنفعة، فتراهم يحبون الأصدقاء والخلان وسعيهم لتحصيل المتع واللذات كبير، وفيهم شجاعة وغضب، ولذلك ترى فيهم قدرة على الظلم أكثر من الشيوخ، لكن الرحمة أيضًا متوقَّعة فيهم عن الشيوخ، لأن قدرة الشيوخ على المكر والخديعة واجتراءهم على القبائح أكبر.
وعندما نتحدَّث عن مرحلة سن الكهولة نتذكر الآية ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا﴾، فهو سن أول الشيخوخة وفيه اعتدال المزاج والأخلاق والعقل.
وأخيرًا مرحلة سن الشيخوخة حين يستولي المزاج البارد واليابس على الشخص، فهنا كثرة التجارب والوقائع حسنها بقبيحها، وهنا كثرة التعقل هي الغالبة فقلما يخضعون لأحد، فهم شاكون متوقفون في أكثر ما يقال، وهم حريصون على تحصيل المال أكثر من حرصهم على المدح، وذلك لخبرتهم بأذى الحاجة والفقر، وأخلاقهم تميل إلى السوء والوقاحة، فما من شيء إلا وفعلوه أو رأوا من يفعله، أيضًا صفة الجبن تكون ظاهرة فيهم لأنهم أعلم بمآلات الأفعال، حتى ميلهم إلى العدل هو لحبهم سلامة أنفسهم أكثر من كونه فضيلةً في النفس، ولا يظلمون أحدًا إلا في الخفاء، فالمكر موجود فيهم أكثر من الشباب، وأما صفة الرحمة فهي لضعف أنفسهم وخوفهم إن ظلموا أحدًا أن يُظلموا.
الفكرة من كتاب الفراسة
علم الفراسة من العلوم التي اشتهر بها المسلمون، وهو علم الفطنة والذكاء وقوة الملاحظة وجودة الذهن وقوة الحفظ، ينفذ به الرائي من خلال علامات ظاهرة إلى باطن النفوس ويجلي حقيقتها.
إننا لا ننفكُّ عن مخالطة الناس والتعامل معهم، فهذا تبدو عليه علامات الخير، وذاك يضمرُ الشر، وهذا نافعٌ وذاك مؤذٍ، ولما كانت معرفة حقيقة أمرهم شيئًا نافعًا جليلًا، ظهر هذا العلم وكان هذا الكتاب.
مؤلف كتاب الفراسة
فخر الدين محمد بن عمر الرازي، المعروف بفخر الدين الرازي أو ابن خطيب الريّ، ولد سنة 544 هـ في قرية الرّيّ، وتوفّي عام 606 هـ في مدينة هراة. هو إمام مفسر وفقيه أصولي، عالم موسوعي امتدت بحوثه ودراساته ومؤلفاته من العلوم الإنسانية اللغوية والعقلية إلى العلوم الطبيعية في: الفيزياء والرياضيات والطب، والفلك.
وقد بلغ الرازي في العلم مكانًا عظيمًا، فكان إذا ركب مشى في ركابه مئات التلاميذ والفقهاء، حتى لقب بـ “شيخ الإسلام”، وقد خلف تصانيف كثيرة في كل فن، منها: التفسير الكبير “مفاتيح الغيب” الذي جمع فيه ما لا يوجد في غيره من التفاسير، و “المحصول” في علم الأصول و”المطالب العالية” و”تأسيس التقديس” في علم الكلام، و”نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز” في البلاغة، و”الأربعين في أصول الدين”، و”كتاب الهندسة” وغيرها كثير.