اشتهاء الشرق.. عصر المماليك

اشتهاء الشرق.. عصر المماليك
لن تكون المدينة المقدسة سهلة القطاف، فقد أصر الفرنجة على امتلاكها ولم يرضَ فرسانهم المتعصبون بأي صلح طرحه صلاح الدين لتسليم المدينة دون قتال، ودام الحصار والدفاع الشرس أيامًا حتى أدرك المحاصرون ألا نجاة لهم من نية السلطان المعقودة لاسترداد المدينة، وعادوا إلى حديث الصلح مرة أخرى وأجابهم إليه صلاح الدين، لكن وقد بدا للجميع أن استرداد القدس هو النهاية فقد كان ذلك الخبر مدويًا في أرجاء أوربا، وتسابق الملوك على الفوز بشرف استرداد المدينة المقدسة، وانتشرت أنباء الحملات الفرنجية في الشرق من جديد.

عاش الفرنج فترة حرجة في الشرق وكان عليهم أن يطلبوا العون مرارًا من أوربا لضمان بقاء ممالكهم وكيلا تفنى جيوشهم، وطوال زمن صلاح الدين سيكون الحرص الأكبر من فاتح القدس على احتواء هذا النفوذ الفرنجي المتزايد، الذي سيكون ثقله كبيرًا حين يأتي ملك إنجلترا ريكاردوس إلى الشرق، ومع وفاة صلاح الدين ظهرت في الأسرة الأيوبية ما بدا كحرب أهلية تُعيد الذكرى إلى سيرة حرب الإخوة إبان الحملة الصليبية الأولى، وسيشهد المسلمون مصيبة ثقيلة حين يرون الملك الكامل حفيد محرر القدس وهو يسلم المدينة المقدسة إلى الإمبراطور فريدريك الثاني، ثم ستأتي مصيبة أخرى حين يأتي من الشرق الأقصى غزو آخر أكثر بطشًا.
يظهر الغزو المغولي في سيرة المؤرخين المسلمين كأفظع كارثة حلت على بلادهم، فقد سقطت بغداد عاصمة الخلافة، وكانت مصر في ذلك الحين تتصدى لحملة فرنجية بقيادة ملك فرنسا فقدت فيها ملكها الأيوبي الصالح وآلت السلطنة بعده إلى مماليكه، وسيظهر في ما بعد أن حضور المماليك كان بالضبط ما تحتاج إليه البلاد في ذلك الوقت، فقد كانت قوتهم الحربية وأساليبهم في السياسة هي التي أنجدت بلاد المسلمين من مأزق المغول بهزيمتهم في عين جالوت، وهي التي ستتولى أمر الفرنجة دون أي تسامح أو شفقة كالتي كان أسلافهم الأيوبيون يظهرونها تجاه فرسان الغرب، وفي عهدي بيبرس وقلاوون ستندحر الجيوش الأوربية ثم يُقضى على وجودها تمامًا في عهد الخليل بن قلاوون.
الفكرة من كتاب الحروب الصليبية كما رآها العرب
لا تزال ذكرى الحروب الصليبية حية حارة في أذهان العرب إلى اليوم، ولا تكف الأمثلة عن الظهور طوال الوقت، فمع كل هجوم يقع على العالم الإسلامي من جهة الغرب، لا يتمكن المرء من كبح ذهنه كيلا يرجع إلى تلك الأيام، فدائمًا كانت الحروب الصليبية موردًا غنيًّا للإسقاطات التاريخية، وبوسع العرب والمسلمين أن يجدوا فيها أمثلة لأحداث عصرهم وأبطاله، وإلى اليوم يقتبس الرواة صلاح الدين وسقوط القدس واستعادتها، وغالبًا ما تُوصف إسرائيل بأنها مملكة صليبية حديثة، ففي ثنايا تلك الأحداث كانت بداية العداء الطبيعي بين العرب والغرب، وكانت الحروب الصليبية هي التي حكمت على هذين العالمين بالفراق والحذر الدائم.
مؤلف كتاب الحروب الصليبية كما رآها العرب
أمين معلوف: أديب وصحفي لبناني، وُلد في بيروت عام 1949م، ودرس علم الاجتماع في جامعة القديس يوسف، وعمل في شبابه مُحررًا لدى جريدة النهار، ومع اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية عام 1976م انتقل إلى باريس حيث ما زال مقيمًا إلى اليوم، حصل معلوف على عديد من الجوائز والتكريمات مثل جائزة جونكور الفرنسية عن روايته “صخرة طانيوس”، ومن أهم مؤلفاته:
رواية سمرقند.
الهويات القاتلة.
موانئ المشرق.
عن المترجم:
عفيف دمشقية: لغوي وباحث ومترجم لبناني، ولد ببيروت عام 1931م، حصل على شهادة الماجستير في العلوم اللغوية في الجامعة اللبنانية، ثم حصل على شهادة الدكتوراه لاحقًا من جامعة السوربون في فرنسا، من أعماله:
سمرقند لأمين معلوف.
خفة الكائن التي لا تحتمل لميلان كونديرا.
الأجراس لأيريس مردوخ.