استنزاف أوروبا لأفريقيا
استنزاف أوروبا لأفريقيا
مع نهاية القرن التاسع عشر وتحديدًا عام 1884م اجتمعت الدول الأوروبية، ووضعت خريطة أفريقيا على الطاولة، وتلى هذا الاجتماع حروب عديدة بدم بارد من أجل قهر الشعوب الأفريقية وتحويلهم إلى مستعمرات للسلع! ومع نهاية الحرب الإمبريالية (العالمية) الثانية، أصبح العالم يتألَّف من (الغرب وبقيَّة العالم)، الغرب يحكم، والبقيَّة غير مهمة! ومنذ ما سمّي (باستقلال) البلدان الأفريقية خلال القرن العشرين، تم تسريع عملية تسليع الاقتصاديات الأفريقية، وقامت أوروبا بتغيير صورة علاقاتها مع أفريقيا، وليس تغيير مضمونها، وبنيت العلاقات على أساس ثلاثة محاور، أولها عدم التماثل في القوة، وثانيها تابعية أفريقيا ثقافيًّا لأوروبا، وثالثها استمرار الخطابات والمفاوضات التي صيغت خلال الحقبة الاستعمارية وفق منطق الأفضلية والتعامل بالمثل وعدم التعامل بالمثل.
وبناءً على ذلك فلا بد من فهم مبدأ الأفضلية، وكيف أصبح من مفردات لغة التجارة الدولية مع أفريقيا، إذ إن كل ما يندرج اليوم تحت اسم “الأفضلية” تعود جذوره إلى النظام الاستعماري، عندما كانت أفريقيا تخدم المصالح الاستعمارية على حساب نفسها، وقد كان الذي يشكِّل حاجات أوروبا إبَّان الحقبة الاستعمارية بصورة أساسية ثلاثة احتياجات، أولها الحصول على سلع رخيصة للصناعات الأوروبية، وثانيها الحصول على سوق للمنتجات المصنَّعة، وثالثها السيطرة على النقود والائتمان بوصفهما قاعدة لتراكم رؤوس الأموال، وقد تمكَّنت أوروبا من الحصول على حاجاتها سالفة الذكر عن طريق قوة السلاح بتحويل المجتمعات المُستعمرة لخدمة مصالحها الاستعمارية، وتأسيس نظام حكومي استعماري على المستوى السياسي، وتأسيس بنية للخدمات المالية والمصرفية وخدمات النقل والتأمين، من أجل توفير التمويل ووسائل النقل للبضائع الواردة إلى المُستعمرات والصادرة منها، وتأسيس نظام الأفضليات، إذ قام البريطانيون بإنشاء نظام (الشراء بالجملة)، كان المصدرون البريطانيون يدفعون للفلاحين في أوغندا -على سبيل المثال- مائة وخمسين جنيهًا إسترلينيًّا مقابل (طن من القهوة)، ويبيعونه في السوق العالمية بسعر (800) جنيه إسترليني! ونفس الأمر كان ينطبق على (القطن)، وهذا استغلال فاضح لأفريقيا بكل المقاييس، فنظام الأفضليات الاستعماري منع أوغندا أن تصدر القطن والقهوة لغير المحتكر البريطاني والحصول على أسعار أفضل.
إذن فإن أصل الأفضلية التي يروِّج لها الغرب هي (مصيدة مفاهيمية) تُعرض اليوم على أنها امتياز لأفريقيا، وهي في حقيقة الأمر امتياز من أفريقيا لأوروبا، فعندما كانت السوق الحرَّة تضر بالمصالح الاستعمارية تم حظرها على دول أفريقيا، والآن بما أن السوق الحرة تخدم مصالح المستعمر القديم أصبح يفرضها على أفريقيا!
الفكرة من كتاب التجارة حرب.. حرب الغرب على العالم
يحلِّل الكاتب في هذا الكتاب أحد الأسلحة الرئيسة التي تستخدمها القوى الغربية لاستغلال شعوب “جنوب العالم” واستعبادها، وبخاصةٍ الشعوب الأفريقية، وهذا السلاح هو “التجارة الدولية”، ويبحث كذلك في نضال بلدان الجنوب، ومقاومتهم بشأن مُختلَف نواحي التجارة الدولية، فعلى سبيل المثال: نجد أن أسلوب الاتحاد الأوروبي في التفاوض مع هذه البلدان يرقى إلى الابتزاز، فعليك أن توقِّع على الاتفاقيات التي تحقق أهدافهم وإلا سيوقفون المعونات الاقتصادية التي تتلقَّاها منهم! وقد استطاع “ياش تاندون” -بعبقريته التحليلية والتفاوضية إلى جانب قدرته على الإقناع- التصدي لكثير من الضغط، وكشف ابتزاز الاتحاد الأوروبي لدول الجنوب، لذلك يعد هذا الكتاب دليلًا للقتال والنضال ضد النظام الوحشي الذي يهيمن على العالم هذه الأيام.
مؤلف كتاب التجارة حرب.. حرب الغرب على العالم
ياش تاندون : هو مفكر وكاتب مقالات، ومؤلف، ومناضل، وناشط سياسي (أوغندي)، حصل على بكالوريوس الاقتصاد من كلية لندن للاقتصاد عام (1961)، وحصل على الدكتوراه في العلاقات الدولية في كلية لندن للاقتصاد عام (1969)، لها مؤلفات عديدة منها:
In Defence of Democracy.
Daring to Think Differently: Development and Globalisation
معلومات عن المترجم:
عبد الجليل محمد مصطفى: مترجم، ترجم عددًا من الكتب منها:
فوربس: أعظم قصص الأعمال على مر العصور.
المرجع في تربية الموهوبين للمرحلة الثانوية.