استقلال الإنسان وآثاره السلبية
استقلال الإنسان وآثاره السلبية
يذكُر “أتول” أنه قبل أن يتزوج زوجته “كاثلين”، ذهب في زيارة هو ووالده إلى جدتها “أليس” التي كانت تبلغ من العمر 77 عامًا، فتعجب والده وغضب من كونها تعيش وحدها منذ أكثر من 20 عامًا! إذ كان يرى أن أي شخص متقدم في العمر سوف يحتاج إلى المساعدة عاجلًا أم آجلًا، وتلك النظرة التي يمتلكها والد “أتول” راجعة إلى نشأته في الهند، ففي الهند والبلاد الشرقية تكون العائلة مسؤولة عن احتواء من تقدموا في السن ومساعدتهم والاعتناء بهم، فجَد “أتول” الذي يُدعى “سيتارام جواندي” كان يبلغ من العمر 100 عام، وكان يعيش في منزله، ووسط أهله، وكانت العائلة تعتني به طوال الوقت وتحيط به من كل جانب.
ولم تشعر العائلة في لحظة من اللحظات أنه عبء عليها، ولم يناقشوا يومًا ما يجب فعله بصدد حالته، ومن ثمَّ كان واجبها أن تحيط به وترعاه، وأن تهيئ له الظروف التي تمكنه من عيش الحياة التي يريدها، لكن لو كان “سيتارام” يعيش في الولايات المتحدة الأمريكية أو أي بلد غربي لانتهى به المطاف في دار للعناية بالمسنين! لذا فإن الطريقة التي يعيش بها الناس في الشرق عندما يصلون إلى سن الشيخوخة يندر أن ينالها المسنون في المجتمعات الغربية الحديثة، ما يشير إلى أن ولع الإنسان المعاصر بالاستقلالية والعمل على الوصول إليها أعماه عن أنه في يوم من الأيام عاجلًا أم آجلًا سوف تصبح الاستقلالية أمرًا مستحيلًا، لأنه مهما كان جسد الإنسان قويًّا فسوف يضعف ويَهِن، ومهما كان عقله كاملًا فسوف يخف ويضمر.
والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف تحولت الحياة من حياة سيتارام إلى حياة أليس؟ والإجابة تكمن في أن معنى الشيخوخة قد تغير، فالناس لم تكن تعيش في السابق حتى سن متقدمة، ومن كان يصل إلى سن الشيخوخة كان يحتكر الحكمة والمعرفة، ويعمل حارسًا على التقاليد والأعراف، وكان يحظى بالطاعة والاحترام من الجميع، ومن ثمَّ كان الناس يجنحون إلى تكبير أعمارهم في ما يُعرف بظاهرة “تكبير العمر”، بينما في عصرنا الحاضر ساهم الإنترنت والتقنيات الجديدة على تقويض سلطة كبار السن من خلال القضاء على قيمة الخبرة الطويلة، فقديمًا كان الإنسان يلجأ إلى من بلغ من العمر عتيًّا ليخبره عما يحدث في العالم، أما اليوم فإنهم يهرعون إلى الإنترنت، كما أدى تقديس الإنسان للرشاقة والشباب إلى تصغير أعمارهم في ما يعرف بظاهرة “تصغير العمر”.
الفكرة من كتاب لأن الإنسان فانٍ.. الطب وما له قيمة في نهاية المطاف
الحياة قبل قرنين من الزمان تختلف عن الحياة الآن، إذ غيَّر التقدم العلمي مسيرتها بشكل كبير، ويظهر ذلك بوضوح في ما يتعلق بأعمار الناس، فالإنسان خلال القرنين العشرين والحادي والعشرين أصبح يعيش فترات أطول وحياة أفضل بالمقارنة بأي وقت آخر، إلا أن هذا التقدم أوجد حالة جديدة لم تكن موجودة من قبل تتمثل في الشيخوخة، وصارت هي والموت أحداثًا طبية لا يتعامل معها إلا الأطباء، فحتى نهاية النصف الأول من القرن العشرين كانت غالبية حالات الوفاة تتم في المنزل
لكن بحلول الثمانينيات أصبحت 83% من حالات الوفاة تحدث في المستشفيات ودور الرعاية الطبية، والبقية إما يموتون فجأة في منازلهم، وإما لا يتسع الوقت لنقلهم إلى المستشفى، ومن هنا يستعرض المؤلف وجهًا مأساويًّا للحياة يتمثل في أننا نتقدم في العمر، ويكشف عن معاناة من وصلوا إلى سن الشيخوخة، ويُبين الأفكار الخاطئة التي وقع فيها الطب حول نهاية الإنسان المحتومة وطرائق التعامل معها.
مؤلف كتاب لأن الإنسان فانٍ.. الطب وما له قيمة في نهاية المطاف
أتول جواندي: هو طبيب أمريكي من أصل هندي، يعمل جراحًا في مستشفى بريجهام آند وِمِنز في بوسطن بالولايات المتحدة الأمريكية، وبروفيسور في كلية الطب في جامعة هارفارد ومدرسة هارفارد تي. إتش. تشان للصحة، فاز بجائزة لويس توماس للكتابة في مجال العلم، كما فاز بجائزة ماك آرثر، وجائزتين من المجلة القومية، من مؤلفاته:
Better
Complications
The Checklist Manifesto
معلومات عن المترجم:
عبد اللطيف الخياط: أديب ومترجم سوري الجنسية، متخصص في الأدب الإنجليزي من جامعة إسطنبول، وعمل في عدَّة جامعات عربية مثل: سورية والأردن والسعودية، وهو متخصص في ترجمة القصص والتربية وتطوير الذات والتاريخ. ومن ترجماته:
علم نفس النجاح.
من يشد خيوطك.