استفاقة المسلمين
استفاقة المسلمين
استفاق سلاجقة الشام على الواقع الجديد، وكانت لهم جهود كبَّدت الصليبيين في الشام خسائرَ متوالية، ومن جانب آخر حاول الفاطميون استرداد أملاكهم من الصليبيين لكن باءت محاولاتهم بالفشل على الرغم من الأضرار التي ألحقوها بالصليبيين، إلا أن سنواتٍ طويلة من الحرب والخلاف بين المسلمين حالت دون أي تنسيق بين أمراء الشام أو بين الشام والقاهرة، أو غيرها من البلاد الإسلامية المفكَّكة، إضافةً إلى حركة الاغتيالات التي نشطت ضد الأمراء المسلمين المقاومين للصليبيين.
بدأ العلماءُ الدعوةَ إلى الجهاد بين الشعوب في أقطار العالم الإسلامي، وتشكَّل رأي عام بوجوب الجهاد ضد الفرنجة، وزادت محاولات توحيد الجهود لتتخذ طابعًا جديًّا، وظهر عماد الدين زنكي أمير الموصل الذي غدا أقوى حاكم مسلم في زمانه وسيطر على مدينتي حلب وحمص وغيرهما، ليمهِّد الطريق لشن حملة قوية على الصليبيين، تُوِّجت باسترداد مدينة الرها؛ ما سبَّب صدمة نفسية للصليبيين كونها أول إمارة أنشؤوها.
عقب اغتيال زنكي، خَلَفَه في الحكم نور الدين محمود الذي ردَّ الحملة الصليبية الثانية أواخر عام 1147، وعاد قادة الحملة من حيث جاؤوا بينما استطاع نور الدين ضمَّ دمشق، وقد كانت خطوة مهمة جدًّا بالنسبة له، فصار الشام كله تحت إمرة نور الدين محمود.
اتجهت أنظار الطرفين بعد ذلك إلى مصر الواقعة تحت حكم الدولة الفاطمية الهَرِمَة، حيث سادت الفوضى والاضطرابات عقب اغتيال الوزير بدر الدين الجمَّالي، وبدأ الصليبيون في التجهيز لغزو مصر لتعويض خسائر الشام وأخضعوا الساحل الفلسطيني كله تحت إمرتهم، وسنحت الفرصة للطرفين عندما اندلع صراع بين بعض الوزراء على كرسي الوزارة، فاستجار الوزير (شاور) بنور الدين محمود، فأرسل معه حملة عسكرية بقيادة أسد الدين شيركوه وبرفقته صلاح الدين الأيوبي، وحاول الصليبيون غزو مصر ست مرات، ومنيت محاولاتهم بالفشل، وانتهت هذه الفترة بإعلان سقوط الخلافة الفاطمية وقيام الدولة الأيوبية في مصر، ثم أصبح الحاكم على مصر والشام عقب وفاة نور الدين محمود، وتوَّج انتصاراته العسكرية في معركة حطِّين الشهيرة عام 1187 واستردَّ مدينة القدس.
الفكرة من كتاب ماهية الحروب الصليبية
عندما نذكر الحروب الصليبية، فنحن لا نتحدث عن حرب انتهت بانتصار أحد الطرفين ثم طواها التاريخ، إنما نتحدث عن حرب استمرت مائتي سنة ولا يزال أثرها باديًا حتى اليوم.
هذا الكتاب يرصد ويناقش الأيديولوجيا التي حرَّكت جيوش أوروبا في حربها الطويلة ضد المسلمين، وكيف قاوم المسلمون الأخطار المحدقة بهم، وما الآثار طويلة المدى التي خلَّفتها الحرب على المسلمين؟
مؤلف كتاب ماهية الحروب الصليبية
الدكتور قاسم عبده قاسم: (1942 – 2021) مؤرخ ومترجم مصري، حاصل على الدكتوراه في تاريخ العصور الوسطى، وعضو الهيئة الاستشارية للمركز القومي للترجمة، له مؤلفات مهمة مثل: “أهل الذمة في العصور الوسطى”، و”بين الأدب والتاريخ” وغيرهما، إضافةً إلى ترجمة العديد من الكتب مثل: كتاب “تأثير العرب على أوروبا العصور الوسطى”.