ازدواجية اللغة وخطرها
ازدواجية اللغة وخطرها
لقد ترك العصر الاستعماري آثارًا سيئة عديدة؛ منها ازدواجية اللغة في المجتمعات الإسلامية، فبعد أن كانت اللغة العربية هي اللغة الرئيسة في التعبير الرسمي والودي، أضحت لغاتٌ عديدة تصارع تلك السيادة المركزية للغة العربية كالإنجليزية في مصر والفرنسية في المغرب العربي، والحقيقة أنه وإن كان جزءٌ من ذلك الصراع وذلك التنامي للغات الثانية بسبب الأجناس الهجينة والمختلطة التي خالطت العرب عن طريق الاستعمار وغيره، فبلا شك كان الجزءُ الأكبر مُخططًا له عن طريق نشأة المدارس والجامعات وجعل التعليم فيها بلغة المستعمر فقط، أو فرض مرسوم يجعل اللغة الرسمية للبلاد هي لغة المستعمر فقط، بل وعقاب من يخالف ذلك المرسوم، ومن ثَمّ كانت ازدواجية اللغة هدفًا يتم التخطيط له.
ولعلَّ التأثير اللغوي يختلف بدرجات شتى بين البلدان المسلمة التي تم استعمارها والبلدان التي لم يتم استعمارها، لكن لماذا يظهر أثر الاستعمار في بلادٍ لم يدخلها المستعمر؟
يُرجع الكاتب ذلك إلى المصطلح الدقيق الذي صاغه وهو “القابلية للاستعمار”، فالاستعداد والقابلية ربما ينشآن من البعثات بين البلدان العربية بعضها وبعض، وربما هو ولعٌ بثقافة الغالب، فيدفع ذلك البلدَ غيرَ المحتل إلى الإتيان بمناهج الاستعمار وتطبيقها كما لو أنه بلدٌ مُستعمَرٌ تمامًا.
وتؤثر ازدواجية اللغة في كل الهياكل الثقافية والنظم السياسية والعسكرية والإدارية، فقد أراد المستعمر بتلك الازدواجية أن يُحدث نوعًا من الشِقاق الأخلاقي والثقافي والفلسفي الذي يبدو أثره الآن، ويصل ذلك الشقاق إلى النُخب الثقافية فانقسموا إلى نُخبٍ محافِظة فشلت لعدم وجود اتصال حقيقي نماذجي يُغني عن لحظة التقدم المعاصرة، ونُخبٍ مستعمرة عقليًّا بالفكر الغربي فشلت لعدم وجود ما يصلها بالحضارة التقدمية في الغرب، لأنهم أخذوا الأفكار ولم يفهموا الروح العملية لها (طرحوا الجذور).
ولا شك أن تعلُّم لغة ثانية ضرورةٌ مُلِحّة لتقوية الصِلات بالثقافات الأخرى والاستفادة منها، لكن ذلك يجب أن يكون بعد تعلم العربية جيدًا، وبعد الدراسة والاطلاع على ثقافتنا الذاتية بصورة كافية وافية، حتى لا يتم الاهتمام بالثقافة الوافدة وجعلها رائدة فتُمحَى الهوية شيئًا فشيئًا
الفكرة من كتاب مشكلات الأفكار في العالم الإسلامي
يمرُّ الواقع الإسلامي بلحظات صعبة فارقة، من شدة التخلُّف الحضاري لا يستطيع المسلمون تحديد من أين يبدأ الطريق: هل من خلال عالم الأفكار، أم عالم الأشياء، أم عالم الأشخاص؟
يناقش الكاتب المشكلات الفكرية التي يعانيها العالم الإسلامي، ويحلِّل الواقع معتمدًا على التاريخ وطامحًا في المستقبل، يحاول أن يبيِّن السبيل للنخب الفكرية والمثقفين حتى يضعوا أيديهم على لُب المشكلة، كما يبين بعض المفاهيم الفكرية الخاصة التي استحدثها من أجل تبسيط المكونات الاجتماعية.
مؤلف كتاب مشكلات الأفكار في العالم الإسلامي
مالك بن نبي: مفكر إسلامي جزائري، ولد في الأول من يناير عام 1905 في قسنطينة بالجزائر، وتابع دراساته القرآنية ودرس بالمدرسة الفرنسية وتخرج عام 1925، سافر بعدها إلى فرنسا وانغمس في دراسة الحياة الفكرية، انتقل إلى القاهرة هاربًا من فرنسا بعد إعلان الثورة الجزائرية، وعاد إلى الجزائر بعد الاستقلال وتم تعيينه مدير عام التعليم العالي، وانشغل بإلقاء المحاضرات والتأليف والبحث، وتوفي في الواحد والثلاثين من أكتوبر عام 1973.
من أشهر مؤلفاته: “القابلية للاستعمار”، و”شروط النهضة”، و”مشكلة الثقافة”، و”الصراع الفكري في البلاد المستعمرة”.