ازدهار
ازدهرت مشاركة النساء في رواية الحديث وبلغت أوجها في الفترة من القرن السادس إلى القرن التاسع الهجري. في القرن السادس الهجري صعدت السلفية كأرثوذوكسية سُنية بتعريف طلال أسد، وهي تيار سمح آنذاك بتنوع المذاهب الفقهية والعقدية بعد قرونٍ من النزاعات، وبعد القضاء على الشيعة البُوَيهيِّين والفاطميين، واعتمد على القرآن والحديث وممارسات السلف الصالح. وكانت دراسة الحديث حينها أمرًا يسيرًا لعوام الناس، وشجعت السلفية مشاركة النساء فيها، وحضر بعض الحكام والأمراء مجالس الحديث ليحظوا بدعم الناس سياسيًّا.
ومن أشهر المحدِّثات آنذاك، شُهدة الكاتبة، التي ولدت في بغداد في نهاية القرن الخامس الهجري، وكان والدها أبو النصر أحمد بن الفرج الإبريَّ محدثًا شافعيًّا هاجر من الدِّيْنَور إلى بغداد، وكان ذا صلة بالحكام، وأخذ شُهدة إلى مجالس الحديث منذ كانت في الثامنة، وقد رَوت عن أبيها وعن شيوخٍ معروفين، وروت كتبًا في موضوعاتٍ غير الحديث مثل أعمال ابن أبي الدنيا زاهد القرن الثالث، ولقبها الذهبي بفخر النساء، أحصي من طلابها أكثر من مئة وستين منهم ست نساء، وعلماء أكابر مثل ابن الجوزي، وابن قُدامة صاحب المُغني. وكانت من كبار الخطَّاطين في بغداد، وكان زوجها علي بن محمد بن يحيى ربيب والدها، وقد درس الحديث، وبنى مدرسة وقفها للشافعية ورباطًا للمتصوفة.
وفي الصالحية التي اشتهرت بكونها مركزًا للتعليم الديني في ضواحي دمشق، عُرفت المحدثة زينب بنت الكمال في القرن السابع، وقد بدأت مسيرتها العلمية من عامها الأول، وعندما بلغت السادسة كانت قد حصلت على إجازات كثيرٍ من العلماء من بلدان مختلفة، استثمروا فيها عسى أن تتقن أعمالهم وترويها بأمانة، ولم تتزوج زينب، وذكر في التراجم عطاؤها العلمي بعد الستين إلى وفاتها في الرابعة والتسعين، وأجازت علماء كبارًا مثل الذهبي والصَّفَدي والسُّبكيِّ، ووصفها ابن بطوطة برُحْلَةِ الدنيا.
وفي القرن الثامن، برزت المحدِّثة عائشة بنت محمد بن عبد الهادي من بني قُدامة أبرز العشائر الحنبلية في الصالحية، وكان أبوها محتسِبًا للسوق، وله علاقة بمجتمع علماء دمشق، وعلم بناته فاطمة وعائشة، وقد سمع علماء بني قدامة الحديث من النساء ودرَّسوه لهن. كان لعائشة نحو سبعة عشر شيخًا منهم أربعة نساء إحداهن زينب بنت الكمال، ومعظم شيوخها تُوفوا قبل أن تبلغ سن الثامنة عشرة، وقد رَوَت صحيحي البخاري ومسلم، وسيرة ابن هشام وكُتُبًا أخرى، وكان لها العديد من الطلاب والطالبات خصوصًا بعد بلوغها الستين، ومن أشهرهم ابن حجر العسقلاني صاحب فتح الباري في شرح صحيح البخاري الذي أجازته بروايته.
الفكرة من كتاب المرأة ونقل المعرفة الدينية في الإسلام
يستكشف الكتاب دور النساء في رواية حديث رسول الله ﷺ خلال عشرة قرون، بدءًا من الصحابيات في صدر الإسلام وصولًا إلى بداية العصر العثماني في القرن العاشر الهجري، ويحلل أسباب ازدهار دورهن وتراجعه عبر الزمن، ويعرفنا على أشهر المحدِّثَات في كل فترة زمنية.
واعتمد الكتاب على الأسانيد في الكتب الستة وموطأ مالك وبعض كتب السنن الأخرى.
مؤلف كتاب المرأة ونقل المعرفة الدينية في الإسلام
د. أسماء سيِّد: باحثة أمريكية من أصول هندية مسلمة، حصلت على الدكتوراه من جامعة برينستون في عام 2005، وتعمل أستاذة مشاركة للدراسات الإسلامية بقسم لغات وثقافات الشرق الأدنى في جامعة كاليفورنيا بمدينة لوس أنجلوس، وتهتم بالتاريخ الإسلامي الاجتماعي، وتاريخ التعليم الإسلامي، نُشرت لها مقالات متعلقة بالشريعة الإسلامية والمجتمع الإسلامي والمرأة المسلمة، وكتابان هما: Law and Tradition in Classical Islamic Thought، والكتاب الذي بين أيدينا “المرأة ونقل المعرفة الدينية في الإسلام Women and the transmission of Religious Knowledge in Islam”
معلومات عن المترجم:
د. أحمد العدوي: باحث ومترجم، تخرج في كلية الآداب (قسم التاريخ) بجامعة القاهرة، ويعمل أستاذًا مساعدًا بقسم العلوم الإسلامية في كلية العلوم الدينية بجامعة تشانكالي أونسيكيز مارت في تركيا. نُشرت له أعمال عديدة في التاريخ الإسلامي وتاريخ الأقليات الدينية وقضايا التراث العربي، وترجم أعمالًا عديدة من الإنجليزية إلى العربية منها: “جيش الشرق: الجنود الفرنسيون في مصر 1797 – 1801” لتيري كرودي، وفاز بجائزة الشيخ زايد للكتاب فرع الترجمة لعام 2022 عن ترجمته لكتاب “نشأة الإنسانيات عند المسلمين وفي الغرب المسيحي” لجورج مقدسي.