اذهب إلى مكانك السعيد
اذهب إلى مكانك السعيد
إذًا إن لم تُنتج السعادة عن المواد الكيميائية، فمن أين تأتي داخل المخ؟ هل توجد منطقة محدَّدة داخل المخ تأخذ معلومات من أجزاء أخرى عما نمرُّ به، وتقيِّمها، فتُدرِك أنها ينبغي أن تجعلنا سعداء؟ هذا مُحتمل بالطبع، فيبدو أن عددًا من المساحات يتعامل مع عواطف مُحدَّدة، على سبيل المثال: اللوزة الدماغية؛ وهي منطقة صغيرة ضرورية لإعطاء الذكريات سياقًا عاطفيًّا في الأساس، فإن كان لديك ذكرى عن شيء أفزعك، فاللوزة الدماغية هي التي أضافت الخوف إلى هذه الذكرى، وهناك مثال آخر وهي القشرة الجزيرية، وهي موجودة داخل المخ بعمق بين الفص الجبهي، والجداري، والصدغي، وإحدى الوظائف المنسوبة إليها هي مُعالجة الإحساس بالاشمئزاز، فتظهر نشاطًا كرد فعل على الروائح الكريهة، ورؤية البتر مثلًا، إذا يوجد جزآن من المخ يقومان بمعالجة ما قد يعتبره الكثيرون شعورًا أو عاطفة تمامًا كالسعادة، فهل يوجد منطقة بعينها مسؤولة عن السعادة؟
أحد المرشحين لذلك هي منطقة المكافأة الوسطى الطرفي، حيث تقوم بتزويدنا بإحساس المكافأة حين نفعل شيئًا ممتعًا، ولكن عندما يتعلَّق الأمر بشعور السعادة بحد ذاته وليس اللذة والمكافأة، نجد أن نتائج الدراسات اختلفت من عالم إلى آخر ومن وقت إلى آخر، وهذا ليس بالأمر الغريب، فالمخ مكان معقد جدًّا، وأساليب دراسته بطريقة مفصلة كهذه حديثة نسبيًّا، وهذا ليس خطأ العلماء على أي حال، فهناك مشكلات كثيرة تُربك الحسابات، أكثرها وضوحًا هي منهج الباحثين لمحاولة جعل الشخص الخاضع للاختبار سعيدًا.
إذًا كل هذا يوحي بأن العملية التي تحدِّد بها أمخاخنا ما يجعلنا سعداء ليست مباشرة أو ببساطة سؤال إجابته بنعم أو بلا عما إذا كان شيء ما يسعدنا، بل وُجِدت إحدى النتائج الغريبة وهي احتمالية كون المخ غير مسؤول عن سعادتنا، بل الأمعاء، وهناك الكثير من الأدلة العلمية التي تثبت هذا، فالمعدة والأمعاء في غاية التعقيد، ولها جهاز عصبي يعمل أحيانًا باستقلالية، فيُطلق عليه المخ الثاني، والمخ رغم تعقيده يبقى عضوًا من أعضاء الجسد يتأثر بما يحدث بداخله، وبما أن الأمعاء لها دور حيوي تجاه ما بداخل الجسم، فإذن من الممكن أن يكون لها تأثير مُعتبر في وظائف المخ، وأيضًا أثبتت أبحاث أن وجود بعض السلالات وأنواع من البكتيريا في الأمعاء شرط للشعور بالضغط العصبي والاكتئاب.
الفكرة من كتاب المخ السعيد.. العلم الخاص بمصادر السعادة وأسبابها
حاول أغلب العلماء قياس السعادة، ووعدت آلاف المنتجات بها، وقضى أغلب البشر حياتهم في البحث عنها، ويعتبرها البعض شعورًا، والآخر عاطفةً، حسب أفكار كلٍّ منهم ومبادئه، لكن يحاول الكاتب هنا اكتشاف إجابات لبعض الأسئلة الجوهرية فيما يتعلَّق بالسعادة، فما المعنى الفعلي لكوننا سعداء؟ وما مصادر السعادة؟ وهل هنالك سعادة أبدية؟
مؤلف كتاب المخ السعيد.. العلم الخاص بمصادر السعادة وأسبابها
دين برينت : عالم أعصاب، ومحاضر في الطب النفسي، ومؤلف مدوَّنة الجارديان العلمية، وله العديد من المؤلفات، منها:
المخ الأبله.