احذر! هؤلاء يسرقون انتباهك
احذر! هؤلاء يسرقون انتباهك
ربما حان الوقت لأن نرفع الغمامة عن أعيننا وننظر إلى من يتربصون بانتباهنا وأوقاتنا ويتخذونها سلعة، ولنبدأ بمنصة نتفليكس | Netflix التي تنتج مسلسلات قصيرة بمعدل حلقة أو حلقتين في الأسبوع، مما يخلق حالة من الروتين والعادة عند المشاهد، كما تنتهي الحلقة بشكل مشوق وغامض مما يدفع إلى انتظار الحلقة القادمة والتعطش لرؤية ما ستصير الأمور إليه. وبعد نتفليكس ننتقل إلى الألعاب الإلكترونية التي تبدع وتتسابق من أجل نيل انتباهك ووقتك، ومن ضمن الوسائل المختلفة التي تستخدمها لتحقيق هذا الغرض: نظرية الاستغراق التي طورها عالم النفس الكرواتي “ميهالي كسيكزنتميهالي | Mihaly Csikszentmihalyi”، وبناء على هذه النظرية تقدم اللعبة تجربة مختلفة لكل لاعب، مع وجود نوع من التحدي القابل للتعامل معه بما يضمن استمرار اللاعب، من أجل التغلب على هذا التحدي واستغراقه في اللعب ذهنيًّا ووجدانيًّا.
ومن أوضح الأمثلة التي تستخدم هذه النظرية لعبة “كاندي كراش | Candy Crush”، فتأتي على مستويات مختلفة ويواصل المستخدم اللعب بهدف تخطي هذه المستويات. وبالمثل أيضًا الألعاب التي تقوم على نظام النقاط والترتيب، والتي تدفع اللاعب للاستمرار حتى يتميز ويتفوق على اللاعبين الآخرين، ولا تنتهي محاولات الاستحواذ على انتباهك هنا، بل ينضم إلى القائمة بكل تأكيد “الفيسبوك | Facebook” وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي. ويمكننا فهم الطريقة التي تعمل بها هذه المنصات إذا استرجعنا حوار “شون باركر” -أحد مؤسسي فيسبوك- الذي قال فيه: “إن الفكرة الأساسية وراء بناء تطبيقات التواصل الاجتماعي وعلى رأسها فيسبوك كانت ترتكز على الوصول إلى كل الطرق الممكنة للاستحواذ على وقت المستخدم وعقله”، ومن بين هذه الطرق التي تحدث عنها إعطاء المستخدم جرعات صغيرة من الدوبامين -وهو هرمون السعادة- من حين إلى آخر في شكل إعجاب أو تعليق أو مشاركة لصورة أو فيديو نشره المستخدم، وهذه الجرعة من الدوبامين سوف تدفعه لتكرار التجربة والنشر والتفاعل أكثر وأكثر لمزيد من الدوبامين والنشوة المصاحبة له.
ويأتي “إنستجرام | Instagram” واحدًا من تطبيقات التواصل الاجتماعي التي تحبس مستخدمها داخل دائرة النشر والحصول على الإعجابات والتعليقات ومعها الدوبامين، إلا أنه يزيد على ذلك بفهمه الجيد لدوافع مستخدميه، فهو يستغل حرص الناس على توثيق لحظاتهم المميزة، فخوف خسارة لحظة مميزة وعدم توثيقها شعور موتر وغير مقبول لدى الكثيرين، إذًا ما الحل؟ ببساطة فتح إنستجرام والتقاط الصور والفيديوهات ثم نشرها كأنه ركن وطقس أساسي من أي حدث في الحياة، ومع الوقت يصبح الإنستجرام مكانًا مليئًا بالذكريات والمشاعر، مما يخلق ارتباطًا لدى المستخدم يصعب الفكاك منه.
الفكرة من كتاب اقتصاد الانتباه في عصر المراقبة السيبرانية
كم مرة بحثت عن منتج ما لتجده يظهر أمامك في كل مكان؟ وكم مرة توقفت عند منشور أو صورة أو فيديو فتجد أمثاله يلاحقونك في كل المنصات؟ وكم ساعة تقضيها على الإنترنت يوميًّا؟ ولأي مدة تستطيع التركيز دون أي انقطاع في عملك أو مذاكرتك؟ تراكمت عليك الأسئلة أليس كذلك؟ لا بأس، توقف قليلًا وفكر في الإجابة وعد سريعًا لتكتشف ما وراء هذه الأسئلة وما وراء إجاباتك أيضًا. فنحن على وشك رحلة لاستكشاف عالم الإنترنت منذ بدايته وحتى وصولنا إلى هنا، والتغيرات المصاحبة له في كل جوانب حياتنا، والأهداف الخفية التي تسعى إليها شركات الإنترنت الكبرى وعلاقتها بانتباهك وبياناتك. مستعد؟ إذًا، لنبدأ.
مؤلف كتاب اقتصاد الانتباه في عصر المراقبة السيبرانية
علي فرجاني: خبير إعلامي واستشاري علاقات عامة مصري، وكاتب محتوى ومتحدث في الذكاء الاصطناعي والفضاء السيبراني، حصل على بكالوريوس الإعلام وماجستير علوم الإعلام والاتصال من جامعة القاهرة، كما حصل على درجة الدكتوراه الفخرية في علوم الإعلام والاتصال. وحصل كذلك على الزمالة العلمية من الجمعية المصرية للعلاقات العامة.
ومن مؤلفاته:
مهارات المتحدث الإعلامي.
التقنيات الرقمية وتطبيقاتها في الإعلام.
العلاقات العامة واستراتيجيات الاتصال.