احتفالًا بالجنون!
احتفالًا بالجنون!
إن أمة اليوم خالية من المجانين الحقيقيين وهذا أكبر عيوبها، فالجميع يريدون أن يظهروا أقوياء حكماء متفهمين، فيتحولون إلى نسخ متشابهة ومملة. فالبشر في حاجة إلى الجرأة للاعتراف بالجنون، والتوقف عن اعتباره عيبًا، والحياة مليئة بما يساعد على الجنون، وعدم حدوث ذلك يعني أن الأحاسيس أصبحت متبلدة، وأن الفجائع أصبحت هينة، إذ يصبح الجنون دلالة صحية على شعب مُعافى لا يتحمل إهانة، والجميع في حاجة إليه لكشف زيف التعقل والجبن والتمرد على المقاييس المتاحة.
ويسقط ممدوح عدوان كل هذا الكلام على المجنون الحقيقي “لؤي كيالي”، إنسان لديه الجرأة على إعلان جنونه دون أن يهتم للآخرين الذين صنَّفوا حياته تحت ألفاظ “أزمة عصبية” و”انهيار عصبي”. لؤي كان مجنونًا طوال سبعة أعوام: من عام 1967 حتى عام 1973، كان من بقايا الكائنات البشرية التي ما زال لديها أعصاب وحساسية وكرامة، كان فنانًا، وعلى الرغم من ذلك لم يتقولب فنانًا ولا سياسيًّا ولا ثوريًّا، ولكن احتفظ بكونه إنسانًا لديه ندوب وكدمات، لم يضع مكياجًا على كدماته قطُّ.كان فنانًا لا يستطيع إظهار فنه في لوحاته لأن الذي يفعل ذلك يكون قويًّا ولديه القدرة على التعبير، ولؤي كان مضطربًا داخل عالمه الخاص.
كان إنسانًا بسيطًا سعيدًا لديه علاقات ممتازة، يرسم زوجات السفراء، وفنانًا ذا شهرة لديه لوحاته التي تباع بأعلى الأسعار، وظهرت الموجة الثقافية في أوساط الستينيات وفُتِحت عيناه على حياة أخرى لا تليق ببشر، واكتشف جائعين وقضايا يموت الناس من أجلها، وكان نتيجة ذلك معرضًا يعرض فيه هذا الحياة الأخرى، وواجه هذا المعرض الكثير من النقد الفني والشخصي، ووسط كل ذلك تأتي هزيمة حزيران، وتدفع الكل إلى الجنون الحقيقي، ولم يكن هذا الجنون بسبب الهزيمة، بل أسلوب المعالجة؛ القفز فوق الهزيمة ومنع التحدث عنها وتجاهلها.
الفكرة من كتاب دفاعًا عن الجنون
كيف ترى نظرة الإنسان المهدد إلى الثقافة والفنون والحياة؟ أية إضافة إلى الرصيد العصبي يمكن أن تشكِّلها وثيقة فنية تركها هندي أحمر حين أحس بقدوم الانهيار؟ ولمَ لا يكون الهندي أسمر؟!
في إمكان هذا الكتاب الإجابة عن التساؤلات المحيرة، إذ يحاول فيها الكاتب أن يعطي صورة عن المثقف في هذا الزمان، ومحاولة الإنسان لمنع نفسه من الانحدار عن مستواه الإنساني إلى مستوى الحيوان، وحين يقاوم تتخذ مقاومته شكلًا من أشكال الجنون، وهذه المقدمات قد تكون مقدمة لأبحاث أكثر شمولًا عن آلام الجميع.
مؤلف كتاب دفاعًا عن الجنون
ممدوح عدوان: كاتب وشاعر ومسرحي سوري، ولد في قرية قيرون (مصياف) عام 1941، تلقَّى تعليمه في مصياف، وتخرج في جامعة دمشق ونال الإجازة في اللغة الإنجليزية، عمل في الصحافة الأدبية، وبثَّ له التلفزيون العربي السوري عددًا من المسلسلات والسهرات التلفزيونية، ونال عددًا من الجوائز في دول عربية عديدة.
ومن أهم أعماله:
الظل الأخضر.
وزيارة الملكة.
لو كنت فلسطينيًّا.
أقبل الزمن المستحيل.