اتساق فطري وكوني
اتساق فطري وكوني
خلق الله سبحانه الخلق لعبادته، وهي الغاية والوسيلة التي يُتَوصَّل بها إلى هدايته ورضوانه، وهو سبحانه حين خلقهم شرع لهم طريقًا ومنهجًا، فلم يتركهم هملًا ولا سدًى، ولم يَكِل إليهم أمر التشريع والمنهج الذي تستقيم به حياتهم ويتعبَّدون به.
والعبادة ذات معنى شمولي واسع غير مقتصرة على أداء العبادات الظاهرة أو مجرد الاعتقاد الباطني، بل تشمل أيضًا المعاملات والسلوكيات والأخلاق وعلاقة الإنسان بكل ما حوله، وهي بذلك تعمل على تربية الإنسان بتقويم وتوجيه سلوكه، كما يعرِّف الكاتب التربية، وفق منهج مفصَّل واضح مؤثر في شتى الجوانب الإنسانية، انطلاقًا من ضعف الإنسان وحاجته الفطرية إلى التعبُّد، وأيضًا على الجانب الآخر حاجته إلى التربية والترقِّي على كل الصُّعُد، فجاءت العبادة لتلبي هذه الاحتياجات وتوجِّهها إلى وجهة واحدة.
إن العبد كما أنه يحتاج إلى تلبية احتياجاته المادية من رزق وأمن وصحة يحتاج إلى أن يلبي احتياجاته الروحية وإن أنكر ذلك، فحتى الأفكار المادية والمعتقدات المنحرفة تسد لدى معتنقيها ذلك الاحتياج وتعدُّ دينًا وإن لم يعترفوا بذلك.
إن العبادة الخالصة لله وحدها هي التي ترقى بالنفس الإنسانية، لأنها تلعب على وتر الفطرة، فالفطرة تحتاج إلى التألُّه الذي من معانيه العبادة واللجوء، وخالق هذه الفطرة يعلم احتياجها ويعلم كيف تلبِّيه، فشرع لها أصنافًا من العبادات تتربَّى بها وتترقَّى بها وتلبِّي احتياجاتها المختلفة بطريقة صحيحة غير منحرفة، ويظهر أثر ذلك واضحًا جليًّا في السلوك الخارجي وفي الباطن أيضًا.
وعلى النقيض، فإن الكافر أو الملحد أو المنكر يعيش حالة إعراض وتناقض، فإن لم يتألَّه لله تجده يتألَّه لأي شيء آخر، يقوِّم فكرة ثم ينقضها، أو ينشئ جماعة ثم يتركها، أو يقدِّس عالمًا ثم يتعارض معه أو يتألَّه لنفسه حتى، ثم إن أصابته مصيبة أو ألمَّت به جائحة صرخت فطرته التي بين جنبيه، وتذكَّر أن له خالقًا! لذلك يقولون: “لا يوجد ملاحدة في الخنادق”!
لذا فإنه كلما ازداد المرء تعبدًا، ازداد اتساقًا مع فطرته، بل ومع الكون من حوله، فالكون كله يعيش حالة خضوع عامة مسخرًا من الله سبحانه، هذا التجانس والتناغم هو الذي يُشعر المرء بضيق النفس والحياة عليه، ذلك لأنه خالف نظامًا كونيًّا يسير على نغمة واحدة، وكأنه نوع من العقاب والتكدير النفسي!
الفكرة من كتاب العبادة وأثرها في تربية النفس الإنسانية: بحث في الأساس التعبُّدي للتربية الإسلامية
مفهوم العبادة مفهوم قاصر مظلوم لدى كثير من الناس، وهذا ما جعل بعضهم يتطاول حتى حصره في المساجد فقط! العبادة لها مفهوم أوسع وأشمل من ذلك بكثير، ويسلِّط الكاتب الضوء هنا على واحد من مفاهيم أو قل من علائق العبادة بشكل خاص، ألا وهو علاقة العبادة بالتربية وآثار ذلك بشكل واضح وبأمثلة عديدة ولغة سهلة.
مؤلف كتاب العبادة وأثرها في تربية النفس الإنسانية: بحث في الأساس التعبُّدي للتربية الإسلامية
عبدالعزيز بن عبدالرحمن المحيميد: دكتور في قسم التربية كلية العلوم الاجتماعية جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، له العديد من المؤلفات بين البحوث والمقالات ورسائل الدكتوراه، ومن ذلك:
مصادر التربية الإسلامية.
تاريخ الفكر التربوي بين المصادر الإسلامية والمصادر الغربية.
الحوافز في التربية الإسلامية.