اتركوا الفرح يتفتَّح
اتركوا الفرح يتفتَّح
إن الفرح لا تتم دعوته وإنما يُصنع له المناخ المنتج والمنمِّي له، فهو ليس أمرًا طوعيًّا، وهناك عدة عوامل تسمح بتهيئة البيئة المناسبة لنشأة الفرح، ومن تلك العوامل: الانتباه؛ فهو الذي يصلنا بالحواس، والفرح إنما ينطلق غالبًا عبر تجربة حسية، فلو شاهد المرء منظرًا طبيعيًّا ما وهو منتبه إلى ما فيه من جمال وتفاصيل، فإنه سيشعر بالفرح جرَّاء انتباهه إلى هذا المؤثر الخارجي، لأننا حين ننتبه نترك حواسنا لتنشغل بما تدرك إما مسموعًا أو مشاهدًا أو مشمومًا.
من العوامل أيضًا: الحضور، وهذا العامل يأتي بعد الانتباه، فهو أعمق من كوننا مجرد منتبهين لأنه انتباه يشمل وجودنا كله حواسَّ وقلبًا وروحًا، فهو ليس استقبالًا أو تلقِّيًا عاديًّا، وإنما هو استقبال منفتح للواقع وللعالم، وليس كم الأشياء التي ننجزها هي المسبِّب للفرح، وإنما نوعية الحضور وكيفيته التي نضعها في كل فعل من أفعالنا هي ما يضفي قيمة على الحياة.
يأتي بعد الحضورِ التأمُّلُ الذي بإمكانه مساعدتنا على تطوير خاصتي الانتباه والحضور، ويكون التأمل بالجلوس بوضع مناسب بعيدًا عن الإزعاج مع تسكين داخل الإنسان وملاحظة ما يحدث مع الانتباه إلى ذواتنا والعالم، كذلك الثقة وانفتاح القلب من عوامل تهيئة بيئة الفرح، ومعنى أن يكون القلب منفتحًا يعني قَبول العيش مع بعض الهشاشة والإقرار بإمكانية استقبال كل شيء بما فيه تعرُّضك للآلام، ويعدُّ قبول الألم هو الثمن الذي ينبغي دفعه لأجل حياة غنية بالمشاعر، ويمنع القلب المنغلق وصول أي شيء بما فيه الفرح، وحتى ينفتح القلب فلا بدَّ من الثقة بالحياة، وهذه الثقة إنما تُكتسَب بدايةً من خلال الوالدين.
إن للفرح عدوَّين: الأول هو النشوة والتعلق بملذات الدنيا، والثاني هو الحسد، أما الفرح فهو بعكس ذلك، لأنه ثمرة حب الغير الذي يعني أن تسعد لسعادته، وحين تفرز المقارنة والغيرة التعاسة، فإن السرور بمزايا ونجاح الآخرين هو مصدر الفرح. أيضًا من عوامل تهيئة البيئة المناسبة لنشأة الفرح أيضًا؛ المنح بلا مقابل، فيهب الإنسان غيره من دون انتظار مقابل لما يعطيه، وكذلك الشكر لمن يهب له شيئًا، والشكر إنما هو شكر للحياة أولًا.
الفكرة من كتاب قوة الفرح
ينشد الإنسان في حياته الفرح ويطلبه، لأن الفرح يحمل في ذاته قوَّةً تحرِّك الإنسان نحو ما يحبه، فهو تأكيد للحياة، وهو الوسيلة التي نتيقَّن من خلالها من حقيقة وجودنا ونتذوَّق عبرها هذا الوجود.
يناقش فريدريك لونوار مسألة الفرح من منظور فلسفي، والفرق بينه وبين اللذة والسعادة، وهل يمكن للإنسان الوصول إلى فرح دائم؟
مؤلف كتاب قوة الفرح
فريدريك لونوار Frédéric Lenoir: كاتب فرنسي، ولد في مدغشقر عام 1962.
من كتبه ومؤلفاته:
فن الحياة.
رؤى لونا (رواية).
الحكمة لمن يبحث عنها.
في السعادة.. رحلة فلسفية