ابق حيث أنت! ما يفعله تجنب الغموض
ابق حيث أنت! ما يفعله تجنب الغموض
لدينا الآن عامل ثقافي جديد وهو تجنب الغموض، ويُعرف تجنب الغموض على أنه الشعور بالانزعاج أو التهديد من المواقف الغامضة، ودائمًا ما يصاحب القلقُ تجنب الغموض، إذ يثير المجهولُ والغامض الشعورَ بالخطر ومن ثم القلق، ووفقًا لعامل تجنب الغموض يصبح لدينا نوعان من المجتمعات، فثمة مجتمعات تبرمج أفرادها على النفور من أي غموض وأخرى تتحمله بدرجة ما، وهكذا فإن المجتمع الذي يتجنب الغموض ينفّر أفرادَه من الأفكار والمواقف غير المألوفة أو المفاجئة، كما يتسم بالتحفظ والتغير البطيء وارتفاع معدلات القلق والتوتر مقارنة بالمجتمعات الأخرى، وقد يظهر ذلك في الانفعال وحِدة النقاشات اليومية والقيادة المتهورة، وكل هذا يؤدي إلى انخفاض مؤشرات السعادة لدى المجتمعات التي تتجنب الغموض.
ومما يعبر عن تجنب الغموض في المجتمع أن يكون كل ما هو جديد خطيرًا ويثير الشك، إلا إذا كان واضحًا تمام الوضوح، بالإضافة إلى التمسك بالقواعد حتى وإن لم تكن فعالة، وذلك خوفًا من أن يكون هناك خطر أو مسؤولية عند تجاوزها، كما يحتاج المجتمع المتجنب للغموض دائمًا إلى إجابات واضحة ومحددة، فكلمات مثل لا أدري أو غير معروف كفيلة بأن تشعل الانزعاج والقلق، وكذلك ينشغل أفراده بالسؤال بإلحاح عن كل التفاصيل حتى وإن كانت غير مهمة، وإذا كان التنوع محمودًا عند الكثيرين فلن يكون هكذا أبدًا عند المجتمع المتجنب للغموض، كذلك فإن النقاش واستكشاف القضايا الأخرى مصدر للإزعاج.
الآن نطرح سؤالًا مهمًّا: أين يقع المجتمع السعودي من عامل تجنب الغموض؟ لكن قبل أن نجيب لدي سؤال آخر: هل سمعت مثل هذه الكلمات من قبل (الأمور زينة وما في داعي للتفكير، اللي تعرفه أحسن من اللي ما تعرفه، خلونا على حالنا أفضل، الأمور واضحة لكنك أنت اللي تحب الفلسفة)؟ حسنًا! سماعك إحدى هذه الكلمات أو شبيهاتها ما هو إلا نتاج ثقافة تتجنب الغموض، وعلى هذا فالمجتمع السعودي يصنف مجتمعًا يميل إلى تجنب الغموض، ونرى أثر ذلك في جوانب عديدة كاستقبال المخترعات الحديثة بريبة وقلق والتشكيك في قضايا مثل تعليم المرأة والاهتمام بتفسير الأحلام والتكتم والحذر من الآخرين، ومن أكثر الأوساط تأثرًا بتجنب الغموض الإدارة والأعمال، فالمديرون يكونون أقل مرونة وتفاوضية وأكثر ميلًا للسيطرة والتحكم، كما يترددون كثيرًا في اتخاذ القرار ويظلون في بحث دائم عن قرارات آمنة، بالإضافة إلى أن الخوف من الجديد والركون للمألوف يعطل مسيرة التقدم ويحد من الإبداع والابتكار.
الفكرة من كتاب في الشخصية السعودية: العوامل والمحددات ما بين الحنظل والشهد الجزء الأول
هل سبق ورأيت من يعشق الرياضيات ويتمنى أن يصير مهندسًا ولكن ينتهي به المطاف إلى كلية الطب حيث رغبة أسرته؟ وهل سبق وشكا لك زميل من مديره في العمل وكيف يعامله باستعلاء وتسلط؟ ولعلك سمعت أيضًا عن كثيرين آخرين غير راضين عن عملهم ولكنهم لا يتجرؤون على تركه خوفَ ألا يجدوا غيره، وأظن أنه لا تغيب عنك لهفة الأب على مولود ذكر يحمل اسمه ويمد في أثره.. هل تشعر أني أطرح عليك أمرًا من الشرق وآخر من الغرب؟ حسنًا، أمامك دقائق قليلة وستعرف خلال رحلتك في هذا الكتاب الرابط الذي يجمع هذه الأمور معًا وما دلالته في المجتمع السعودي!
مؤلف كتاب في الشخصية السعودية: العوامل والمحددات ما بين الحنظل والشهد الجزء الأول
د. عبد الله الرويتع: حاصل على بكالوريوس وماجستير في علم النفس من جامعة الملك سعود، كما حصل على درجة الدكتوراه في علم النفس من جامعة نوتنجهام ببريطانيا، عمل مختصًّا نفسيًّا في مستشفى الصحة النفسية بالرياض وشغل منصب أستاذ علم النفس في جامعة الملك سعود. من مؤلفاته:
علم النفس في حياتنا اليومية.
المفكر والمعايشة.